تظل ظاهرة زواج الأطفال أحد أشكال العنف ضد النساء التي غالبًا ما يتم تجاهلها، رغم كونها انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، ففي الوقت الذي يُقر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحق الفرد في «الرضا الحر والكامل» على عقد الزواج، فإنه من الواضح أن هذا الرضا لا يمكن أن يكون «حرًا وكاملًا» عندما لا يكون أحد الأطراف في العلاقة قد نضج بما فيه الكفاية ليتمكن من اتخاذ قرار مستنير بشأن شريك الحياة.
ولعل أحد أكثر التأثيرات السلبية التي يتركها زواج الأطفال هي الآثار الدائمة على تطور الفتيات، إذ يؤدي إلى الحمل المبكر، وترك التعليم، والعزلة الاجتماعية.
وفقًا لمنظمة اليونيسف، يعاني العالم من تفاوتات إقليمية كبيرة في معدل حدوث زواج الأطفال، حيث تشير تقديراتها إلى أن واحدة من كل خمس نساء تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا، تزوجت قبل أن تبلغ سن 18 عامًا، بينما تزوجت 4% منهن قبل سن 15، ورغم أن هذه الأرقام تعكس معاناة ملايين الفتيات حول العالم، فإن الفروق بين المناطق تظل واضحة بشكل مؤلم.
أزمة فقر أم وعي؟
على سبيل المثال، تعد جنوب الصحراء الإفريقية من أكثر المناطق التي يسود فيها زواج الأطفال، فهناك ما يقارب من ثلاث فتيات من كل عشر، يتزوجن أو يدخلن في علاقة شراكة قبل بلوغهن سن 18 عامًا.
أما فيما يتعلق بالزواج المبكر جدًا، فإن 9% من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا في هذه المنطقة، دخلن في علاقة قبل سن الخامسة عشر.
ويعكس هذا الواقع يعكس حجم الفقر والجهل الذي يعايشهن، حيث يعتبر الزواج المبكر وسيلة للتعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
أما في جنوب آسيا، فإن حوالي ربع الفتيات يتزوجن قبل أن يصلن إلى سن الخامسة عشر، وهو ما يشير إلى ثقافة اجتماعية عميقة الجذور تساهم في استمرار هذه الظاهرة، ويستمر الوضع المأساوي ليطال أمريكا اللاتينية والكاريبي، حيث 21% من الفتيات يتزوجن قبل سن الخامسة عشر، بينما 4% منهن تزوجن قبل بلوغ سن 18.
وعلى مستوى العالم، تشير البيانات إلى أن 19% من النساء حول العالم قد تزوجن قبل أن يبلغن سن الخامسة عشر، في حين 4% منهن تزوجن قبل سن 18.
ورغم الجهود العالمية للحد من هذه الظاهرة، فإن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من تقدم بعض الدول في معالجة قضايا حقوق المرأة، لا يزال يعاني من وجود زواج الأطفال بمعدلات تصل إلى 17% قبل سن الخامسة عشر، و3% قبل سن الثامنة عشر.
من جهة أخرى، في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، يشهد الوضع تحسنًا ملحوظًا، حيث لا يتجاوز زواج الأطفال 9% قبل الخامسة عشر، و1% قبل الثامنة عشر، أما في شرق آسيا والمحيط الهادئ، فتعد المعدلات الأدنى عالميًا، حيث لا تتجاوز 8% قبل سن الخامسة عشر و1% قبل سن 18.
تكاتف عالمي
إن زواج الأطفال ليس مجرد عقد رسمي أو ارتباط عاطفي، بل ظاهرة تعكس أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة، وغالبًا ما يتم في إطار اتحادات غير رسمية، حيث تعيش الفتيات مع شركاء من دون زواج رسمي، وهو ما يشير إلى أن القوانين المحلية قد تضع عوائق أمام إتمام الزيجات القانونية. تلك الزيجات، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، تترافق مع مشاكل صحية ونفسية، بما في ذلك الحمل المبكر، وترك الدراسة، وتعريض الفتيات للعنف.
لذلك تتطلب مكافحة هذه الظاهرة جهدًا عالميًا جماعيًا لمواجهة الأسباب الجذرية، مثل الفقر، الأمية، والممارسات الاجتماعية المترسخة. إن تحرير الفتيات من هذا القيد ليس مجرد مسألة حقوق إنسان، بل هو ضرورة لضمان مستقبل أكثر إشراقًا وأكثر عدالة للبشرية جمعاء.