مع استعداد الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتولي مقاليد الحكم، تقف الولايات المتحدة على أعتاب مرحلة اقتصادية تعد الأقوى منذ خمسين عامًا، من حيث تنامي الوظائف والأجور، واستقرار التضخم، ونمو الناتج المحلي الإجمالي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، حسب مايكل جي. هيكس، أستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث الاقتصادية بجامعة بول ستيت، هو: هل ستُحافظ الإدارة الجديدة على هذا الاستقرار، أم أن سياساتها ستقود البلاد إلى عواقب غير محسوبة؟
مشروع 2025
يستعد ترامب لبدء فترته الثانية بمشروع يحمل اسم «مشروع 2025»، ويهدف إلى إعادة تشكيل السياسات الفيدرالية عبر زيادة المعينين السياسيين في المناصب الإدارية من 4000 إلى 20 ألف شخص، ما يمنح الإدارة سلطة واسعة دون الحاجة لموافقة الكونجرس، كما يشمل الرؤية طموحات مثل توسيع برامج قسائم التعليم، تقليل القيود البيئية، وزيادة إنتاج الطاقة على الأراضي الفيدرالية.
لكن تنفيذ هذه السياسات ليس بالأمر السهل، إذ يتوقع هيكس، في مقال نشره موقع «يو إس توداي»، أن تواجه مقاومة شرسة من الحكومات المحلية ومعارك قضائية طويلة. ويضيف «مدى نجاح الإدارة الجديدة يعتمد على التزامها بالدستور، وهو أمر يثير الشكوك بالنظر إلى سلوكيات ترامب السابقة».
سياسات الهجرة
كان من بين وعود ترامب الرئاسية كذلك اعتماد سياسات صارمة تجاه الهجرة غير الشرعية، بما في ذلك الترحيل الجماعي لنحو 11 مليون مهاجر غير شرعي، وعلى الرغم من انخفاض أعداد المهاجرين غير الشرعيين مقارنة بذروتها في عام 2007، فإن تنفيذ هذا الوعد يحمل تكلفة مالية هائلة.
وتُقدر تكاليف الترحيل الطوعي عبر وسائل النقل التقليدية بأكثر من 50 مليار دولار، في حين يتطلب الترحيل الجماعي استخدام الحرس الوطني بتكلفة تتجاوز نصف تريليون دولار، ولا تقف التأثيرات عند هذا الحد، إذ سيؤدي ترحيل هذا العدد الكبير إلى نقص في اليد العاملة داخل سوق يعاني بالفعل من شح العمالة، مما سيبطئ النمو الاقتصادي ويزيد العجز. يُضاف إلى ذلك أن المهاجرين غير الشرعيين يدفعون ضرائب تتجاوز ما يتلقونه من خدمات، ما يجعل من ترحيلهم عبئًا إضافيًا على الاقتصاد.
تجربة محفوفة بالمخاطر
كذلك تعهد ترامب بتوسيع الرسوم الجمركية كجزء من خططه لتعزيز الوظائف الصناعية، مستخدمًا سلطته الرئاسية التي تتيح فرض رسوم تحت ذريعة الأمن القومي، لكن الأدلة التاريخية تثبت عكس ذلك؛ فالرسوم التي فرضها في 2018 دفعت اقتصاد الغرب الأوسط، حيث تتركز الصناعات التحويلية، إلى حافة الركود بحلول عام 2019.
إذا نفذت الإدارة الجديدة خططها لفرض رسوم تتراوح بين 10-20% على الواردات، قد تدخل الولايات المتحدة في ركود اقتصادي حاد، وسيؤثر ارتفاع الأسعار الناتج عن الرسوم على المستهلكين المحليين، بينما ستؤدي الرسوم الانتقامية من الدول الأخرى إلى تراجع الطلب على الصادرات الأمريكية، ما يعمق الأثر السلبي على الاقتصاد.
ما يغفله المشروع
يشير هيكس إلى أن قوة الاقتصاد الأمريكي تعتمد على عاملين رئيسيين: جذب المواهب البشرية من جميع أنحاء العالم، والالتزام بسيادة القانون في جميع المجالات، ويرى أن سياسات ترامب قد تقوض هذين العاملين، مما يجعل البلاد أقل جاذبية للموارد البشرية الموهوبة، ويعرض سمعة النظام القانوني الأمريكي للخطر.
من جهة أخرى، لا يقدم مشروع 2025 حلولًا للتحديات الاقتصادية الرئيسية مثل الدين العام، وإصلاح النظام الضريبي، أو معالجة الإنفاق الحكومي. وبدلًا من ذلك، ينصب التركيز على قضايا ذات طابع اجتماعي محافظ، ما يعزز دور الحكومة الفيدرالية ويزيد من تدخلها في الحياة اليومية للمواطنين.
وختامًا، يرى هيكس أن إدارة ترامب تميل إلى إطلاق وعود جريئة دون تنفيذ فعلي على أرض الواقع، وبينما يظل الاقتصاد الأمريكي قويًا بفضل أسسه الراسخة، فإن المخاطر السياسية والاقتصادية الناجمة عن سياسات الإدارة المقبلة قد تقود البلاد إلى مسار جديد مليء بالتحديات.
مع كل هذه المعطيات، تبقى الأسئلة مفتوحة حول قدرة ترامب على توظيف الإرث الاقتصادي الحالي لصالحه، أو ما إذا كان مشروعه الطموح سيحمل تداعيات طويلة الأمد على البلاد.