في عصر يشهد تزايد الوعي بأهمية الاستدامة، يتجه المزيد من الأشخاص حول العالم إلى شراء الملابس المستعملة.. كخيار يجمع بين المحافظة على البيئة وتوفير المال. تتفوق دول كفنلندا وبولندا على المستوى العالمي في هذا التوجه، فيما يبقى الإقبال محدودًا في بعض الدول الآسيوية الكبرى. لكن هل يعكس انتشار شراء الملابس المستعملة اهتمامًا حقيقيًا بالبيئة، أم أنها مجرد حل اقتصادي لأوقات الشدة؟ في هذا المقال، نلقي الضوء على الحقائق والأرقام وراء الموضة المستعملة وأسباب انتشارها في مناطق وتراجعها في أخرى.
فنلندا وبولندا تتبنيان الملابس المستعملة
برزت فنلندا وبولندا كدول رائدة في هذا المجال؛ إذ أظهرت نتائج استطلاع Statista أن 33% من المستهلكين في هاتين الدولتين اشتروا ملابس مستعملة في الآونة الأخيرة، سواء عبر الإنترنت أو في المتاجر. هذه النسبة تتجاوز المعدل العالمي بأكثر من 10 نقاط، مما يشير إلى ثقافة مجتمعية تدعم إعادة التدوير.. واختيار الأزياء الصديقة للبيئة كجزء من الوعي الجماعي بالاستدامة. وقد يكون لذلك أيضًا جذور اقتصادية، ولكن الشعور السائد بالمسؤولية تجاه الكوكب يلعب دورًا بارزًا.
فتور تجاه الملابس المستعملة في آسيا
بينما ترتفع معدلات الشراء المستعمل في أوروبا، تبدو الصورة مختلفة في بعض الدول الآسيوية الكبرى. أظهرت الإحصاءات أن أقل من 10% من المستهلكين في الصين واليابان وكوريا الجنوبية يتجهون إلى الملابس المستعملة، وهي نسبة تُظهر ترددًا في تقبل هذا التوجه. قد تعود الأسباب إلى عوامل ثقافية، حيث ينظر الناس في بعض المجتمعات الآسيوية إلى الملابس المستعملة.. على أنها أقل جاذبية أو ذات جودة مشكوك فيها، مما يشكل عائقًا أمام انتشار هذا الاتجاه، على عكس ثقافات أوروبا التي باتت تراه أسلوبًا عصريًا ومميزًا.
الملابس المستعملة دلالات اقتصادية أم ثورة بيئية؟
قد يكون من السهل الاعتقاد أن لجوء البعض للملابس المستعملة نتيجة ظروف اقتصادية ضاغطة، إلا أن الأرقام تشير إلى أن الأمر أكثر تعقيدًا. فعلى سبيل المثال، تشهد الهند نسبة إقبال تبلغ 24%، رغم نموها الاقتصادي السريع المتوقع بنسبة 7% خلال العام المالي 2024-2025. هذا التباين يُظهر أن المسألة ليست اقتصادية بحتة، بل هي توجه اجتماعي يعكس قيم الاستدامة وحب البيئة، ويضع السوق أمام حقبة جديدة قد تتخطى الاعتبارات المالية.
سوق الملابس المستعملة والفرص الاستثمارية
مع زيادة الوعي البيئي، لم تعد الموضة المستعملة مجرد خيار فردي، بل باتت صناعة مزدهرة تحمل فرصًا استثمارية ضخمة. بدأت العديد من المنصات الرقمية بتحقيق أرباح من خلال رسوم الخدمة والشحن، مستفيدة من النمو السريع في هذا السوق. وتوقع تقرير صادر عن ThredUp في مارس 2024 أن يصل حجم التداول في سوق الملابس المستعملة إلى 350 مليار دولار بحلول عام 2028، وهو رقم يتجاوز ضعف ما كان عليه في 2021. يعكس هذا الانتعاش رغبة المستهلكين في دعم اقتصاد التدوير وتبني أنماط حياة أكثر استدامة.
ختامًا
في ظل تزايد الطلب على الملابس المستعملة، يُتوقع أن يواصل هذا القطاع نموه ليشكل جزءًا مهمًا من مشهد الموضة العالمي. وبينما تتفاوت معدلات الإقبال بين الدول، يبدو أن العالم يتجه نحو نموذج استهلاكي جديد يتجاوز المفهوم التقليدي للموضة. هذا التحول لا يمثل فقط فرصة لتقليل الأثر البيئي، بل أيضًا لتعزيز الوعي بمسؤولية الأفراد تجاه كوكبنا، وهو ما يعزز مكانة الموضة المستدامة كخيار أساسي للمستهلكين في المستقبل القريب.