في خطوة إنسانية لمد يد العون دون النظر إلى الانقسام الطائفي، فتحت بلدة مرجعيون ذات الأغلبية المسيحية في جنوب لبنان أبواب مدارسها وكنيستها الشهر الماضي لإيواء العشرات من النازحين الفارين من القصف الإسرائيلي على القرى ذات الأغلبية المسلمة.
وعلى الرغم من شعور بعض السكان بالقلق من احتمال وجود أشخاص مرتبطين بحزب الله بين النازحين، إلا أنهم اختاروا الاستجابة لحاجة الفارين إلى مأوى آمن، حيث أكد سكان البلدة أنهم يعلمون أنه لا يوجد أمام النازحين مكان آخر يذهبون إليه.
الأحداث تزيد التوترات في البلدة
ومع تصاعد التوترات، بدأت الحرب تؤثر على مرجعيون بشكل مباشر، ففي السادس من أكتوبر قتل اثنان من سكان البلدة في غارات إسرائيلية استهدفت رجلاً شيعياً بالقرب من البلدة.
كما تزايدت حدة الخوف عندما أطلق نازح شيعي النار في الهواء وهدد الموظفين في مطرانية مرجعيون بعد أن طلبوا منه الانتقال إلى مكان آخر.
وفي هذا السياق، قال فيليب أوكلاه، كاهن الكنيسة الأرثوذكسية في البلدة، إن البلدة كانت مرحبة في البداية، لكن سرعان ما تلاشى هذا الترحيب بعد هذه الحوادث التي زادت من مخاوف السكان.
التوترات الطائفية تزداد تعقيداً
مع اندلاع الحرب الإسرائيلية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، نزح أكثر من مليون شخص إلى المناطق السنية والمسيحية، مما أثار توترات طائفية تهدد استقرار لبنان الهش.
وزاد من تعقيد الوضع الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المباني التي تؤوي النازحين، مما جعل استضافة هؤلاء النازحين مصدراً محتملاً للخطر، حسبما أفادت مصادر محلية.
كما أعرب زعماء لبنان، ومنهم رئيس الوزراء المؤقت نجيب ميقاتي، عن أهمية الحفاظ على “السلم الأهلي” في هذه الأوقات العصيبة.
وحتى منافسي حزب الله، مثل حزب القوات اللبنانية المسيحي، دعوا إلى تهدئة الخطاب السياسي لتجنب تأجيج التوترات المتزايدة.
الضغوط على حزب الله
يجد حزب الله نفسه تحت ضغط متزايد لتلبية احتياجات مجتمعه، وهو الذي طالما تباهى بتقديم الدعم لأفراده، ولكن مع تزايد عدد النازحين والموارد المحدودة، يجد الحزب نفسه عاجزاً عن توفير كافة المتطلبات.
وأفاد مسؤول لبناني بأن الضغط الناتج عن هذا النزوح الجماعي كان أحد الأسباب التي دفعت حزب الله إلى تبني موقف أكثر مرونة بشأن وقف إطلاق النار.
صعوبة الحصول على السكن
بالنسبة للنازحين الذين تمكنوا من العثور على شقق للإيجار، كانت الشروط صعبة، فالكثير من ملاك العقارات يطالبون بدفع الإيجار مقدمًا لعدة أشهر، في حين أن بعضهم رفض تأجير المساكن للنازحين.
وأظهرت إشعارات أرسلت إلى المستأجرين تحذيرات بضرورة معرفة جيرانهم والحد من الزيارات، في محاولة للحفاظ على “سلامة الجميع”.
ذكريات الحرب الأهلية تطفو على السطح
بالنسبة للكثيرين، أعادت هذه الأحداث ذكريات مؤلمة عن الحرب الأهلية اللبنانية، حيث استولى السكان على المباني الفارغة والمنازل خلال تلك الفترة، وقد اقتحم أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي عدة مجمعات سكنية في بيروت وحولوها إلى ملاجئ للنازحين.
وفي ظل غياب الدولة، كانت هذه الأحزاب السياسية والجماعات المحلية تتولى دورها في توفير الدعم للمجتمع.
ومع تصاعد التوترات بين مختلف الأطياف السكانية في لبنان، يخشى البعض من تكرار أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، حيث كانت المنازل والمباني تُستولى بشكل غير قانوني.
وقد أعربت المحامية ريبيكا حبيب، التي قادت حملة لإخلاء مخيم يسكنه النازحون، عن قلقها من أن التاريخ قد يعيد نفسه.