سياسة

ولاء الناخبين السود إلى الحزب الديمقراطي بين البداية والتحول

ولاء الناخبين السود إلى الحزب الديمقراطي بين البداية والتحول

خلال الانتخابات الرئاسية في العقود القليلة الماضية، بدأ المراقبون يركّزن على قياس تصويت الناخبين السود، إذ تُظهر بعض الاستطلاعات أنهم بدأوا في الابتعاد عن الديمقراطيين.

ويأتي هذا التراجع بعد عقود من ولاء الأصوات السوداء للديمقراطيين، بعد أن كان الولاء للحزب الجمهوري.

متى تحول ولاء السود؟

يختلف المؤرخون حول بداية تحول ولاء السود من الحزب الجمهوري إلى الديمقراطي، ولكن جميع التخمينات تنصب على بدايات ومنتصف القرن الماضي.

يذهب البعض إلى أن البداية كانت في ستينيات القرن العشرين وحركة الحقوق المدنية، فيما يرجح آخرون أنها كانت في ثلاثينيات القرن الماضي مع ظهور سياسات الصفقة الجديدة التي عالجت الفقر المنتشر في البلاد في فترة الكساد الأعظم.

ولكن تاريخيًا، كانت تحركات الأمريكيين السود نحو الحزب الديمقراطي تعود إلى أبعد من ذلك، وتحديدًا خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين.

 وشهدت تلك الفترة عدة تغيرات منها نشر بوكر تي واشنطن سيرته الذاتية الشهيرة “الخروج من العبودية” في عام 1901.

وفي نفس العام غادر النائب جورج إتش وايت منصبه، تاركا مجلس النواب بدون عضو أسود لمدة ثلاثة عقود تقريبا ــ وأنهى بذلك حقبة ما بعد الحرب الأهلية التي كان فيها دائما حضور جمهوري أسود في الكونجرس.

وأظهر مسح أُجري على المشرعين الأمريكيين من أصل أفريقي في هذه الفترة، أن 15 فقط من أصل 2000 من شاغلي المناصب السود سواء كانوا أعضاء مجلس الشيوخ أو عمد المقاطعات، كانوا ديمقراطيين أو أبدوا دعمهم للحزب.

وتم اعتبار عام 1906 بأنه نقطة تحول في تشكيل البلاد، كما مثل ذلك العام نقطة تحول بالنسبة للأمريكيين من أصل أفريقي وحزب لينكولن.

وساهم في تعزيز هذا التحول حادث مقتل رجل أبيض يعمل في حانة بالرصاص، وتم توجيه الاتهام وقتها إلى الجنود لسود من قاعدة فورت براون القريبة.

وعلى الرغم من أن قادة الجيش البيض أكدوا أن الجنود كانوا في ثكناتهم، إلا أن روزفلت طرد المجموعة بالكامل.

ولاء الناخبين السود إلى الحزب الديمقراطي بين البداية والتحول
زعم دبليو إي بي دو بوا، الذي تم تصويره في عام 1919 تقريبًا، أن الحزب الجمهوري لم يكتسب دعم الناخبين السود ولا ينبغي له أن يعتبر ذلك أمرًا مفروغًا منه

حركة نياغرا

في ديسمبر من نفس العام، ألقى خطابًا أمام الكونجرس تناول فيه الإرهاب العنصري الموجه ضد الأميركيين من أصل أفريقي.

وبرر روزلت مقتل أكثر من 50 أمريكيًا من أصل أفريقي بالشنق في نفس العام بأنه يرجع إلى ارتكابهم جرائم الاغتصاب، والتي تعتبر أسوأ جريمة مقارنة بالقتل.

وانطلاقًا من تلك الأحداث، شكل دبليو إي بي دو بوا حركة “نياغرا” في عام 1905، وأجرى أول اجتماع لها تقييما لحالة الأمريكيين من أصل أفريقي.

ووقتها تم توجيه اللوم إلى الحزب الجمهوري باعتباره مذنب بالحصول على أصوات تحت ذرائع كاذبة، إلى جانب تآكل حقوق التصويت في ظل إدارة الجمهورية.

وخلال تلك الفترة بدأت الفجوة بين الأمريكيين من أصل أفريقي والحزب الجمهوري في الاتساع، وهو ما تزامن مع اقتراب نياغرا من الانحلال وانفصال روزفلت عن الحزب الجمهوري.

وبدأ إعادة تشكيل المشهد السياسي الذي صاحبة هجرة أعداد كبيرة من السود من الجنوب والمناطق الريفية بسبب الاضطهاد واستمرار حرمانهم من المشاركة السياسية من قبل جماعات مثل “كو كلوكس” وتلاشي جميع المكاسب المتحققة.

ولاء الناخبين السود إلى الحزب الديمقراطي بين البداية والتحول
الانقسام في الانتماء الحزبي بين الأميركيين السود كما قام مركز بيو للأبحاث بقياسه منذ عام 1992

الابتعاد عن الحزب الجمهوري

شهدت الولايات المتحدة عشرات من الهجمات العنصرية عام 1919 وهو ما عُرف بالصيف الأحمر، وبدأ السود في التعبير عن استيائهم من الأوضاع الراهنة.

وخلال تلك الفترة استكمل دو بوا حملته التشكيكة في مدى جدوى وجود الأمريكيين داخل الحزب الجمهوري، وتوقع أن يشهد الأمريكيون من أصل أفريقي مستقبلًا تخليًا عن الحزب الجمهوري.

وتزعم عالمة السياسة في جامعة هوارد كينيشيا، في كتابها “الهجرة الكبرى والحزب الديمقراطي الصادر في 2020، أن الأمريكيين الأفارقة الذين هاجروا من الجنوب إلى الشمال لم يكن لهم أي ارتباطات مع الحزب الجمهوري، ولذلك بدأ الحزب الديمقراطي في استقطابهم.

وفي أغسطس 1920، أعلنت مجلة “ماسنجر” الاشتراكية أن “الزنجي الجديد” الناشئ سوف “ينبذ ويتخلى عن الحزبين القديمين ــ الجمهوري والديمقراطي”.

وتبنت المجلة رؤية تقدمية جريئة عن الزنجي الجديد، وأيدت منح حق التصويت العام المنصوص عليه في التعديل التاسع عشر.

ومع حصول النساء السود على حق التصويت، أصبحت الأحزاب السياسية تجتذب أصواتا سوداء مختلفة تماما في عشرينيات القرن العشرين.

ويفوز المرشح الجمهوري كالفين دوليدج بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر 1924، وجه زعماء أمريكيون من أصل أفريقي انتقادات لاذعة للحزب مجلة “أوبورتيونيتي”.

وسلطت الانتقادات الضوء على غياب أعضاء هيئة المحلفين الأميركيين من أصل أفريقي وعدم قدرة السود على ممارسة القانون.

وفي حين أن التحرك الأسود الكامل من الحزب الجمهوري إلى الديمقراطي استغرق عقدًا آخر بعد تلك الأحداث، إلا أن شرارة البداية كانت في منتصف القرن الماضي على يد دو بوا وآخرين.

المصدر: Washington Post