كانت المناظرة الرئاسية الأولى التي أُجريت بين ترامب وهاريس أمس الثلاثاء محل ترقب من قبل الكثير من الأمريكيين، إذ كانت ينتظرها العديد من الناخبين لحسم قرارهم الانتخابي.
وتعمدت هاريس تحديد إطار للمناظرة بتصوير نفسها على أنها المدافعة عن حقوق الأمريكيين من الطبقة الوسطى، فيما أظهرت منافسها بأنه شخص أناني ويسعى خلف مصالحه الشخصية.
وبمجرد الصعود على خشبة المسرح، تقدمت هاريس لتصافح تامب، الذي مد يده بدوره، وقالت “دعونا نُجري مناقشة جيدة”، ليرد ترامب قائلًا “يسعدني رؤيتك.
وكانت تلك المرة الأولى التي يلتقي فيها الطرفان وجها لوجه، إذ رفض ترامب حضور حفل تنصيب بايدن.
وطوال ما يزيد عن ساعة ونصف، كان الانتقاد هو سلاح هاريس الذي انقضت به على منافسها الجمهوري، ما دفعه لفقدان توازنه السياسي والانحراف عن رسالته الأساسية.
وخلال المناظرة ركّزت هاريس على عدة أحداث من بينها حشود مسيراته وأعمال الشغب في الكابيتول وسلوك المسؤولين في إدارته والذين باتوا منتقدين صريحين له حاليًا.
كل هذه اللكمات أجبرت ترامب على الدفاع عن نفسه، إذ نجحت المرشحة الديمقراطية في استفزازه وحصره في الزاوية الضيقة.
وفي إحدى الجمل، استهزأت هاريس بتجمعات ترامب الانتخابية، وقالت إن الملل يسيطر على الناخبين خلالها لذلك يرحلون مبكرًا، وعلى الفور بدأ ترامب في الدفاع عن حجم مظاهراته وتجمعاته.
وبذلك تمكنت هاريس من تحويل نقطة كان من المفترض أن تكون قوة بالنسبة لترامب، إلى نقطة ضعف تستوجب الدفاع عنها.
هل هذا يعني أن هاريس فازت بالمناظرة؟
وفق المعطيات التي تقدمها أحداث المناظرة، يمكن القول بأن نعم كان الفوز من نصيب هاريس، إذ إنها تمكنت من استغلال القضايا التي تمتلك فيها القوة بنجاح، وكذلك تجنب نقاط الضعف.
وبحسب استطلاع سريع للرأي أجرته شبكة CNN في أعقاب المناظرة، قال الناخبون الذين شاهدوا المناظرة إن أداء هاريس كان أفضل.
وربما تكون تلك النتائج مجرد مؤشرات عابرة ومبدئية، ولكن أداء هاريس خلال المناظرة كان واضحًا للجميع، بينما كان ترامب في موقف دفاعي طوال الوقت خصوصًا فيما يخص الاقتصاد والإجهاض.
وفي حين أن نقطة الضعف الأبرز في سجل هاريس هو أنها ناشبة الرئيس الحالي والذي ارتفع في عهده التضخم وتراجع الاقتصاد، إلا أنها تمكنت من تحويل الموضوع إلى منافسها.
وبدأت هاريس في التركيز على التعريفات الجمركية الشاملة التي اقترحها ترامب، إلى جانب إثارة مشروع 2025 الذي وضعته إدارة ترامب لإدارة الجمهورية المستقبلية.
ولكن ترامب بأن العديد من بنود خطة التعريفات الجمركية تم الإبقاء عليها في عهد الرئيس بايدن، زفي حين أنها كانت نقطة لصالحه إلا أنه لم يتمكن من التطرق إلى التضخم وأٍعار المستهلك لمهاجمة هاريس.
وفيما يخص الإجهاض، دافع ترامب عن تعامله مع القضية وقال إن العديد من الأمريكيين يريدون إلغاء حماية الإجهاض، فيما استغلت هاريس الفرصة لتقدم نداءًا إنسانيًا للأسر التي لم تحصل على تلك الرعاية وتعيش في الولايات التي طبقت حظر ترامب على الإجهاض.
نظرية المؤامرة
لم يبتعد ترامب عن فكرته الأساسية التي يروج لها في كل تجمع سياسي ضخم، وهي نظرية المؤامرة وانتخابات 2020 التي سُلبت منه بسبب التزوير.
كما أثار الرئيس السابق نظرية المؤامرة التي لا أساس لها من الصحة والتي تقول إن المهاجرين من هايتي الذين يعيشون في سبرينغفيلد بولاية أوهايو يأكلون قطط الناس وكلابهم.
وفيما يخص الجريمة، زعم ترامب أن حجم الجراءم في الولايات المتحدة ارتفع مقارنة ببقية دول العالم.
وامتدت اتهامات المؤامرة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي وصفه بالفاسد، كما ادعى أن الانتخابات الرئاسية فوضوية وأن الديمقراطيين يحاولون إقناع المهاجرين غير المسجلين بالتصويت.
كيف استمرت المناظرة؟
بمرور الوقت، ظلت هاريس تسدد اللكمات إلى ترامب الذي لم يجدر مفر سوى الرد عليها، رغم أنه كان يمكن ببساطة أن يتجاهل انتقاداتها.
حتى في الأوقات التي كان يمكن استغلال ثغرات في حديث هاريس لم يتمكن ترامب من ذلك، وخصوصًا عندما سُئلت عن آرائها التي تغيرت بخصوص سياسة استخراج النفط الصخري التي تبنتها حملتها الفاشلة في 2019، ثم تخلت عنها من ذلك الحين.
كان رد هاريس على السؤال بأنها لم تتلق إعانات من والدها الثري، وبدلًا من أن يستغل ترامب نقطة تغير موقفها، بدأ في الحديث عن المساعدات الضئيلة التي حصل عليها من والده.
وفيما يتصل بالانسحاب من أفغانستان، وهي نقطة ضعف أخرى بالنسبة لهاريس، حول نائب الرئيس الحديث إلى مفاوضات ترامب مع مسؤولي طالبان ودعوتهم إلى كامب ديفيد. وكان هذا النمط يتكرر مرارا وتكرارا وأثبت فعاليته.
كما اتهم الجمهوريون مديرا المناظرة المذيعان في قناة ABC، ديفيد موير ولينسي ديفيس، بالانحياز إلى هاريس، خصوصًا حينما رد المذيعان على العديد من الادعاءات التي ساقها ترامب بخصوص عدد من القضايا.
ولكن ما كان واضحًا وضوح الشمس خلال المناظرة هو نجاح هاريس في استفزاز ترامب، فيما تلقى هو الطعم الذي كانت تُلقيه هاريس بشكل مدروس، بكل بساطة.
وفي رأي الديمقراطيين، نجحت هاريس في تحقيق أهدافها خلال ليل الثلاثاء، ما دفع حملتها للدعوة إلى إجراء مناظرة ثانية.
المصدر: BBC