صحة

مباريات كرة القدم.. هكذا يتأثر جسم الإنسان بمشاهدتها

من منا لم يصادف هذا الشخص الذي يتوحد مع اللاعبين عند مشاهدة مباريات كرة القدم؟، هتاف وصراخ بل وأحيانًا التفوه بكلمات غير لائقة وانفعال قوي يُشعرك وكأنه أحد المشاركين في المباراة.

ولا يقتصر الأمر عند مشاهدة المباراة فقط، بل إن البعض يتأثر نفسيًا بنتائجها سواء كانت فوز أو خسارة، وتعتريهم مشاعر قوية غير متوقعة في الكثير من الأحيان.

لماذا تثير مباريات كرة القدم تلك الأحاسيس القوية؟

من الشائع بين المشجعين التوحد مع الفرق التي يشجعونها بل ويعتقدون أنهم أحد أفراد الفريق، وفي الكثير من الأحيان يشيرون إلى فرقهم المفضلة تلك باسم “نحن”.

وكمثال تجد المشجع يطلق عبارات من قبيل: “كان لابد من تحسين دفاعنا هنا”، أو “نعم سيمكننا الفوز في المباراة”.

وبحسب المستشار المهني المرخص والمدير السريري والرئيس التنفيذي لشركة Darien Wellness المتخصصة في الاستشارات النفسية، ديفيد إيزيل، فإن البشر يمتلكون خلايا عصبية في أدمغتهم تسمى الخلايا “المرآتية” والمسؤولة عن فهم وجهات النظر الأخرى خارج نطاق وجهات نظرنا.

وتسمح هذه الخلايا للشخص بأن يتصور نفسه في موقف الآخرين، وتخيل ما يمكن أن يمروا به في لحظات بعينها.

ويقول إيزيل إن تلك المشاعر تتعظم خلال مشاهدة مباراة لفريق كرة القدم أو اللاعب الذي نشجعه.

ويوضح “عندما نراه في الملعب فإننا نشعر بجزء من المشاعر التي يشعر بها لأن الخلايا العصبية المرآتية لدينا تعمل على ذلك”.

وبالطبع لن يصل الإحساس بك إلى الشعور الفعلي بما يمكن أن يشعر به اللاعب عند تلقي ركلة قوية أو الطرد من الملعب، ولكن الخلايا العصبية المرآتية تسمح باختبار الشعور باللعبة كمان لو أننا في الملعب.

مباريات كرة القدم.. هكذا تؤثر على جسم الإنسان
تسمح الخلايا “المرآتية” في جسم الإنسان بتصور نفسه في موقف اللاعبين داخل الملعب

الحالة المزاجية

تلعب مباريات كرة القدم أيضًا دورًا في تحسين أو تدهور الحالة المزاجية للمشجعين، وذلك حال الفوز والخسارة.

ويتعلق هذا الأمر بالناقلات العصبية، وهي بعض المواد الكيميائية التي ينتجها الدماغ البشري بهدف تنظيم الحالة المزاجية، كما أن الهرمونات تتدخل أيضًا في تغيير الحالة.

يقول أخصائي علم النفس السريري ومقدم بودكاست The Daily Helping، الدكتور ريتشارد شوستر، إنه عند فوز الفريق المحبب أو قيامه بأداء جيد، يبدأ الدماغ في إفراز الدوبامين، الذي يتحكم في الشعور بالمتعة في الدماغ.

وفي المقابل، ينتج الدماغ هرمون الكورتيزول عند خسارة الفريق أو مشاهدة أداء سيئ، وهذا الهرمون يتم إنتاجه في الغدد الكظرية ويفرزه جسمك عندما تكون تحت الضغط .

ويقول شوستر: “الأسوأ من ذلك هو أن أدمغتنا قد تنتج كمية أقل من السيروتونين، مما قد يؤدي إلى زيادة الغضب والاكتئاب”.

مباريات كرة القدم.. هكذا تؤثر على جسم الإنسان
صورة تظهر غضب المشجعين الذين ألقوا الأكواب البلاستيكية على اللاعبين في الملعب خلال إحدى مباريات “يورو 2024”.

التفاعل بين الجسد والدماغ

لا تقتصر التغييرات التي يشعر بها المشجع أو مشاهد مباريات كرة القدم على العقل فقط، بل إنها تمتد للجسد.

وقد يجد الكثيرون أنفسهم غرقى في العرق والتوتر وعدم القدرة على الثبات في وضعية واحدة خلال المشاهدة، وهي استجابة شائع بشكل كبير.

وعادة ما يكون العرق ناتجًا عن الشعور بالقلق والتوتر، ما يدفع الجسد لاتباع العقل، وهو رد فعل مماثل لما يشعر به الشخص في الكثير من المواقف الصعبة.

يقول أستاذ الاتصالات في كلية مانهاتن، مايكل غرابوفسكي، والذي كتب عن الإدراك والدماغ ووسائل الإعلام: “عندما تشعر بالقلق قبل المباراة أو خلالها، فهذا ليس من خيالك. فقد أظهرت بعض الدراسات أن مشجعي الرياضة قد يعانون من قلق شديد قبل المباراة الكبرى، تمامًا مثل اللاعبين أنفسهم. ويشمل هذا القلق المعرفي والقلق الجسدي، مثل الشعور بالفراشات في المعدة أو التعبيرات الجسدية الأخرى للقلق”.

وبشكل عام، فإن مشاهدة مباريات كرة القدم يمكن أن تزيد من ضربات القلب، على غرار ما يحدث عند ممارسة التمارين الرياضية.

وقد تدخل الأدمغة في حالة من الإثارة عند فوز الفريق المفضل، وهو ما يدفع الكثيرون للشعور بالنشوة وربما الاستيقاظ حتى الصباح.

وتحدث هذه الحالة ببس هرمون الأدرينالين، وتنعكس هذه النشوة على سلوك الجسد، بحسب مدير التخدير في NYC Surgical Associates، الدكتور جيسون دي هانكس.

يقول هانكس: “عندما نتعرض للتوتر أو العصبية، يرسل دماغنا إشارات مسببة إطلاق الأدرينالين من الغدد الكظرية. يبدأ القلب في النبض بشكل أسرع، ويرتفع ضغط الدم ويتحول الدم إلى الأجزاء الأكثر أهمية في الجسم، القلب والعضلات، كجزء من استجابة القتال أو الهروب. أما الأعضاء الأخرى الأقل أهمية، مثل الجهاز الهضمي، فتغلق إمدادات الدم الخاصة بها مما يؤدي إلى ذلك الشعور “بالفراشة” الذي تشعر به عندما تشعر بالتوتر أو القلق”.

ووجدت دراسة حديثة أن مشجعي إحدى مباريات الهوكي الاحترافية اختبروا تسارع في معدل ضربات القلب، والذي يعادل ممارسة التمارين القاسية.

ولكن هذه التغييرات قد تكون ذات تأثير سيئ على المشجعين خصوصًا من أصحاب الأعمار المتقدمة ومن يعانون من زيادة الوزن، لأنهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بسكتة دماغية أو نوبة قلبية خلال مشاهدة المباراة.

المصدر: nbcnews