أزمة جديدة تشهدها فرنسا في أعقاب الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي أُجريت يوم الأحد الماضي، ولكن هذه المرة بطلها زعيم اليسار المتطرف، جان لوك ميلانشون.
وبعد أن زال الهم الفرنسي بسبب التخوفات من فوز اليمين المتطرف ممثلًا في حزب التجمع الوطني، في الانتخابات المبكرة التي دعا لها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، صعد اليسار المتطرف ليفرض ترتيبات جديدة على المشهد السياسي الفرنسي.
وعلى غير المتوقع فاز حزب فرنسا المتمردة الذي يتزعمه ميلانشون بأغلبية مقاعد التحالف اليساري الذي انتزع الفوز من اليمين المتشدد في الانتخابات.
وباعتباره زعيم الحزب يمتلك ميلانشون الحق في المطالبة بتولي منصب رئيس الوزراء الفرنسي القادم، ولكن هذه الآمال تحطمت على صخرة الاستبعاد من قبل زعماء الحزب السائد الذين يعارضون فكرة تشكيل ائتلاف مع شخصية مؤيدة لفرض الضرائب والإنفاق وغزة، إذ ينظر الكثيرون له باعتباره معادي للسامية.
وفي المقابل، قد يسعى تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري إلى تشكيل ائتلاف صعب بدونه، أو محاولة تشكيل حكومة أقلية من خلال التوصل إلى صفقات فردية بشأن التشريعات مع المنافسين، ولكن أيًا من هذين الأمرين لن يكون سهلاً.
شخصية مثيرة للجدل
وصف زعيم الحزب الاشتراكي، أوليفييه فوري، ميلانشون الذي ينفي اتهامات معاداة السامية بأنه شخصية مثيرة للانقسامات داخل الجبهة الشعبية الجديدة (تحالف يساري حاصل على 182 مقعدًا من أصل 577).
واعتبر أحد نواب الخضر في حديثه مع رويترز أن ميلانشون – 72 عامًا – يمثل مشكلة.
وعلى مدار عقود من الزمن، كان ميلانشون أحد أقطاب اليسار الفرنسي، وتمكن من شغل مناصب وزارية في الحكومات السابقة عندما كان عضوا في الحزب الاشتراكي.
وخاض ميلانشون رحلة الترشح للانتخابات الرئاسية خلال الأعوام الثلاثة 2012 و2017 و2022، وجاء في المركز الثالث في ذلك العام خلف زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي حين أنه ليس عضوًا في مجلس النواب، إلا أنه يمتلك نفوذًا قويًا على حزب اعمال الثوري.
ويتبنى ميلانشون عدة قضايا ضمن أولوياته ومن بينها فرض ضوابط على الأسعار، وزيادة الحد الأدنى لأجور بمستويات عالية، وإعادة فرض ضريبة الثروة.
وتبرز مسألة التعامل مع ميلانشون كواحدة من أبر المشكلات أمام المشرعين الجدد في فرنسا، في ظل سعيهم لرسم مسار سياسي لبلد غير معتاد على الحكومات الائتلافية الفوضوية التي يتم تشكيلها عادة في ألمانيا وهولندا.
اختيار رئيس الوزراء
في أعقاب انتهاء الانتخابات عقد زعماء الأحزاب المكونة للحزي الوطني الحر، اجتماعات للوقوف على الشخص الذي سيحل محل رئيس الوزراء غابرييل أتال، والذي قدم استقالته إلى الرئيس إيمانويل اكرون يوم الإثنين الماضي.
ومن المتوقع أن يحتفظ أتال بمنصبه بصفة مؤقتة لحين الاستقرار على الشخص الذي سيأتي خلفًا له.
وقال مصدر في الحزب الشيوعي، أحد الأعضاء الأصغر في التحالف الوطني للعمال، إن المناقشات تركزت أيضًا على الاستراتيجية التي ينبغي للتحالف أن يتبناها، وقد منح الأداء القوي للاشتراكيين داخل التحالف الوطني للعمال نفوذاً أكبر من ذي قبل.
ويُعتبر ميلانشون الزعيم السياسي الذي أخذ مبادرة التفاعل مع الانتخابات التشريعية، والذي اعتبرها البعض أنها محاولة مبكرة لتولي منصب رئيس الوزراء.
وأعلن معارضو ميلانشون فور إعلان النتائج مواقفهم الرافضة للتعامل معه، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب.
وقال فيليب الذي يُنظر إليه على أنه الخليفة المحتمل للرئيس إيمانويل ماكرون في انتخابات 2027، أن تشكيل أي حكومة ائتلافية لا يجب أن يعتمد على رجل واحد فقط.
وأضاف المصدر إلى ضرورة دعوة الرئيس ماكرون للجبهة الشعبية الجديدة اليسارية لتولي تشكيل الحكومة.
في المقابل كان النائب عن الحزب الاشتراكي آرثر ديلابورت أقل قلقًا بشأن دور ميلانشون في الصفقة المقبلة.
وقال ديلابورت إنه على الرغم من أن ميلانشون من أكثر الشخصيات المثيرة للانقسام، إلا أن الأمر لا يُعتبر أزمة لن لن يتولى رئاسة الوزراء.
المصدر: رويترز