من المقرر أن يتجه الناخبون الإيرانيون مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع يوم الجمعة في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، للاختيار بين أحد المرشحين الإصلاحي والمحافظ كخليفة للراحل إبراهيم رئيسي.
وخلال الجولة الأولى من الانتخابات التي أُجريت في 28 يونيو، لم يتمكن أحد الناخبين الأربعة الأوائل من الحصول على نسب تصويت تتخطى 50%.
ولكن في نفس الوقت حظي كلا من المرشحين النائب الإصلاحي مسعود بزشكيان والمفاوض النووي السابق المحافظ للغاية سعيد جليلي، على أكبر عدد من الأصوات، إذ تقدم بزشكيان بنسبة 3.9 نقطة مئوية.
عزوف عن المشاركة
أظهرت الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة لا مبالاة واضحة من قبل الناخبين للمشاركة في هذا الاستحقاق لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979.
ويعكس هذا العزوف الرفض الواضح من قبل المواطنين للمؤسسة الدينية الحاكمة، وتراجع الثقة فيها داخل البلاد.
ويمثل بيزشكيان وجليلي ينتميان طرفين متعاكسان من الطيف السياسي الإيراني، ومن المرجح أن يقود كل مرشح إيران بطريقة مختلفة حال فوزه.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تواجه فيه إيران مشكلات محلية ودولية من أبرزها الاقتصاد المتراجع وحركة الشباب المضطربة، والتوترات المتصاعدة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
التوقعات لجولة الثانية من الانتخابات
أُجريت الجولة الأولى من الانتخابات في أعقاب مقتل الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية بصحبة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومجمعة أخرى من المسؤولين.
وخلال تلك الجولة تنافس 3 مرشحين، اثنين محافظين وآخر إصلاحي على مقعد الرئيس، بعدما منع مجلس صيانة الدستور المكون من 12 عضوًا عشرات المرشحين من الترشح.
ويتولى المجلس مهمة الإِشراف على الانتخابات والتشريعات، ويمد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بالتطورات أول بأول.
وتصد بزشكيان في الجولة الأولى بعد أن حصل على 42.5% من الأصوات، ثم جليلي الذي حصل على 38.6%، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية “إيرنا”.
ولكن لم يذهب إلى صناديق الاقتراع سوى 24 مليون نائب فقط من إجمالي 60 مليون ناخب يحق لهم التصويت، بنسبة إقبال بلغت 40%.
وجاءت نسبة التصويت المنخفضة قياسًا على النسب التي تشارك عادة في الانتخابات الرئاسية بنحو 60%، على الرغم من دعوات خامنئي للمواطنين بالمشاركة من أجل تعزيز الجمهورية الإسلامية ضد خصومها.
ووفق ما نقلته شبكة CNN عن بعض الناخبين فإن العدول عن المشاركة مدفوع بعدم الثقة تجاه المرشحين، والذين يخضعوا لفحص مجلس صيانة الدستور.
ولم يقتصر انعدام الثقة على الإصلاحيين فقط، بل إنه يشمل حتى المحافظين، بحسب ما قالته المحللة الإيرانية المقيمة في واشنطن ونائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي، تريتا بارسي، لشبكة “سي إن إن”.
ولكن المحللين يتوقعون أن تحدث تحولات حاسمة بين الناخبين خلال الجولة الثانية من الانتخابات، وربما قد يتحول بعض المحافظين ومن بينهم الداعمون للمتشدد محمد باقر قاليباف خلال الجولة الأولى، لدعم الإصلاحي بيزشكيان على حساب خصمه المحافظ جليلي.
انقسام المعسكر المحافظ
تقول بارسي إن هناك انقسامًا ملحوظًا في المعسكر المحافظ، بما في ذلك داخل الحرس الثوري الإسلامي النخبوي، الذي خدم فيه جليلي في السابق.
ويرى محللون أن بعض المحافظين يعتقدون أنه من الضروري التحول بعيدا عن بعض السياسات المتشددة التي تبناها الرئيس الراحل رئيسي، والتي من المرجح أن يستمر جليلي في اتباعها.
ومن بين هؤلاء المحافظين سردار محسن رشيد، أحد مؤسسي الحرس الثوري الإيراني وعضو بارز فيه. وأعلن رشيد دعمه لبزشكيان يوم الاثنين ودعا الناس إلى الدفاع عنه ضد “الهجمات الجبانة”، وفقا لموقع ” خبر أونلاين” الإخباري الإيراني المحافظ.
وبحسب الموقع، فإن قائد الحملة الانتخابية لقاليباف، سامي نظري تركاني، أعلن هو الآخر دعمه للإصلاحي بزشكيان، في خطوة كانت مفاجئة للجميع، وفق ما ذكر موقع خبر أونلاين .
وعلى الرغم أن أثر تلك الخطوة على الأرض ليس واضحًا حتى الآن، إلا أن أنصار آخرون لقاليباف إنهم يحاولون التأثير على المحافظين والناخبين الصامتين لدعم المرشح الإصلاحي أيضًا بدلاً من ذلك.
وقال المحللون إن الانقسامات بين المحافظين تظهر أيضًا أن المشاعر داخل المعسكرات ليست متجانسة.
انعكاسات فوز بيزشكيان
يسعى كلا من المرشحين إلى جذب 60% من الأصوات خلال الجولة الثانية من الانتخابات، في محاولة لدفع الناخبين الذين امتنعوا عن المشاركة، وفق الخبراء.
ويرى المحلل الإيراني والزميل البارز في مركز السياسة الدولية في واشنطن، سينا توسي، عبر منصة إكس، أن بيزيشكيان يتبنى خطابًا أكثر تطرفًا لجذب غير الناخبين.
وقال توسي أن بيزشكيان، الذي ينحدر من عائلة أذربيجانية كردية، حاول جذب الأقليات والنساء والشباب في البلاد .
وخلال مناظرة يوم الإثنين الماضي، قال المرشح الرئاسي إن المؤسسة تعين أشخاصًا من داخل الدوائر المقربة، فيما تستبعد الآخرين.
وانتقد بيزشكيان من قبل استخدام القوة في التعامل مع التظاهرات التي اندلعت في عام 2022، وقال في مقابلة تليفزيونية إنه تصرف خاطئ.
كما يسعى المرشح الإصلاحي إلى فتح قنوات جديدة مع الغرب، في ظل العقوبات الأمريكية المغلظة على إيران، خصًا بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015.
وتستهدف سياسية بيزشكيان إلغاء تلك العقوبات التي تسببت في شلل الاقتصاد الإيراني ورفع نسبة الفقر.
ولم ينخفض معدل التضخم السنوي في إيران إلى أقل من 30% منذ أكثر من خمس سنوات، وفي يونيو بلغ 36.1%، مما أثقل كاهل المحافظ في جميع أنحاء البلاد.
ماذا لو فاز جليلي؟
يعتمد جليلي على استقطاب النساء والشباب للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، ويقول إن أصوات تلك الفئات يجب أن تُسمع.
ويتمسك جاليلي بموقفه المتعلق بتقليل الدعم الإيراني على الغرب، وهو نفس الاتجاه الذي تبناه المرشد الأعلى في الأسابيع الأخيرة.
وقال جليلي سابقًا: “علينا أن نجعل العدو يندم على فرض العقوبات”، في إشارة إلى محاولات تقوية العلاقات مع أعداء الولايات المتحدة كرد على العقوبات، وهو اتجاه كان يتبناه رئيسي من قبل.
وتأتي وجهات النظر المتعارضة بين المرشحين في وقت تتصاعد فيه حدة الخطاب بين إيران وإسرائيل. فقد تبادلت الدولتان إطلاق النار المباشر للمرة الأولى في إبريل الماضي مع اتساع رقعة الصراع في غزة.
وحاليًا تستعد إسرائيل الآن لجبهة ثانية محتملة مع حزب الله، الوكيل الإقليمي الرئيسي لإيران، في لبنان.
ويخشى الزعماء في الشرق والغرب من انزلاق المنطقة إلى حرب أوسع، خصوصًا بعد تصريحات البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة التي قالت فيها إنه إذا أقدمت إسرائيل على شن عدوان عسكري على لبنان فستكون بداية لحرب أكبر.
ومن جانبها ردت إسرائيل على لسان وزير خارجيتها يسرائيل كاتس ، السبت، قائلا إن “النظام الذي يهدد بالدمار يستحق التدمير”.
المصدر: CNN