بعد وفاة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أحاطت الكثير من علامات الاستفهام بمستقبل البلاد والقائد المحتمل، خصوصًا وأن الرئيس الراحل كان ينظر له على خليفة المرشد الأعلى.
وفي غضون ذلك، ظهر مجتبي خامنئي نجل المرشد الأعلى في المشهد بشكل غير مباشر، مع توقعات باستعداه للعب دور مركزي في السلطة.
وظل مجتبي خامنئي بمثابة لغز لجميع الإيرانيين طوال السنوات الماضية، إذ إنه لا يشغل أي منصب رفيع ولا يشارك في الحياة العامة أو السياسية.
ورغم ذلك فإن نجل خامنئي يتمتع بنفوذ وعلاقات قوية مع مسؤولين بارزين في المؤسسات الاستخباراتية والأمنية الإيرانية، وهو ما زاد من قوته الخفية خصوصًا في عهد الرئيس الراحل.
وطوال السنوات الماضية كان يُنظر إلى رئيسي باعتباره الخليفة للمرشد الأعلى الإيراني الذي يبلغ من العمر 85 عامًا، ولم تعد لياقته الصحية تسمح له بالاستمرار في المنصب.
وما عزز من هذا التصور هو الطاعة التي أبداها رئيسي طوال فترة توليه منصب الرئيس، وعدم سعيه لإحراز مكاسب شخصية.
ولكن بوفاة رئيسي عادت التكهنات مرة أخرى حول الشخص الذي يمكنه أن يؤدي أدوار الرئيس وكذلك خليفة المرشد الأعلى، وما إذا كان الرئيس القادم سيكون مطيعًا على غرار نظيره الراحل.
“رجل الظل”
زادت التكهنات خلال السنوات الماضية، حول احتمالية تولي مجتبي خامنئي منصب المرشد الأعلى بدلًا من والده، ولكن يرى بعض المراقبين أن نجل خامنئي سيكون أكثر نفوذًا خارج السلطة.
وبحسب ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن الزميل الزائر والخبير في الشؤون الإيرانية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، حميد رضا عزيزي، فإن مجتبي وحاشيته كانوا يديرون السلطة طوال العقدين الماضيين.
وأضاف عزيزي أن التحدي الأكبر الآن أمام خامنئي هو العثور على شخص يتمتع بنفس مواصفات رئيسي ليكون خليفة له.
ولفت عزيزي إلى أن هذا الشخص سيسمح لمجتبي البالغ من العمر 54 عامًا بممارسة نفس أدواره في الخفاء بل وتوسيعها، بعيدًا عن الظهور والانتقادات العلنية.
وسواء تم العثور على خليفة لرئيسي أو لم يحدث لذلك، سيستمر مجتبي في ممارسة دور مركزي في السلطة، في الوقت الذي تعيد فيه إيران تشكيل مشهدها السياسي قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أواخر يونيو وخلافة والده الوشيكة.
وتلك المناورات السياسية ستساهم بشكل كبير في تحديد مستقبل إيران في ظل الصراعات الإقليمية التي تخوضها، والانتقادات الداخلية المتزايدة.
تكوين الشخصية الخفية
يمتلك مجتبي الذي ولد عام 1969 في مدينة مشهد الدينية، نفوذًا قويًا، وقد ساهمت وفاة رئيسي -على المدى القصير على الأقل – في دعم تلك السلطة الخفية.
ويتمتع الابن أيضًا بنفوذ في مكتب المرشد الأعلى والإمبراطورية التجارية التي يسيطر عليها.
وساعدت مواقف عدة في تكوين شخصية مجتبي في طفولته، ومن بينها رؤيته لوالده وهو يتعرض للضرب أثناء اعتقاله من قبل الشرطة السرية لشاه إيران، محمد رضا بهلوي، بعدما أصبح شخصية بارزة في الحركة الثورية ضد النظام الملكي.
وبعد انتهاء الثورة الإيرانية في عام 1979، رحل خامنئي وعائلته ليستقروا في طهران، وهناك بدأ مجتبي دراسته الثانوية، وفي نفس الوقت بدأ والده في الارتقاء ضمن صفوف الحكومة ليصبح رئيسًا عام 1981.
وفي مرحلة الشباب، بدأت شخصية مجتبي في التكوين على غرار العديد من الشباب الإيراني، فقاتل في حرب العراق خلال حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بين عامي 1980و1988.
وفي كتيبته، أقام علاقات مع رجال أصبحوا فيما بعد شخصيات بارزة في جهاز الأمن الإيراني، بما في ذلك حسين طيب، رئيس المخابرات المستقبلي في الحرس الثوري، وحسين نجاة، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لوحدة الحرس الثوري المكلفة بسحق الاحتجاجات في إيران. طهران.
ومنذ التسعينيات من القرن الماضي وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشري، ذاع صيت مجتبي خامنئي وخصوصًا في ظل الاتهامات التي وجهت إليه من قبل الإصلاحيين بالتحكم في انتصارات الانتخابات الرئاسية بين عامي 2005 و2009، لصالح المتشدد محمود أحمدي نجاد.
وكانت هذه الشهرة المترتبة على أنشطة مجتبي السبب في التفات الغرب إليه، ودفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات عليه في عام 2019.
واتهمت واشنطن نجل المرشد الأعلى بالعمل نيابة عن والده مع الحرس الثوري والباسيج بهدف دعم طموحات والده الإقليمية التي تتناسب عكسيًا مع الاستقرار.
وفي عام 2022، زادت التكهنات بن نجل خامنئي يستعد لخلافة والده، وتحولت التظاهرات التي خرجت بالأساس للتنديد بموت مهسا أميني المتهمة بانتهاك قواعد اللباس الإسلامي، إلى ثورة غضب تجاه مجتبي.
ووقتها طالب مير حسين موسوي، المرشح الرئاسي السابق الذي يخضع للإقامة الجبرية، خامنئي إلى دحض الشائعات حول خلافة ابنه له. ولكن آية الله لم يرد.
أسطورة غير واردة
دفعت كل الأحداث السابقة التكهنات لتزداد بشأن احتمالية تولي مجتبي المنصب بدلًا من والده، ولكنه سيناريو اعتبره عالم اللاهوت الذي تدرب في مدينة قم الإيرانية المقدسة ومؤلف كتاب صدر عام 2023 عن المرشد الأعلى علي خامنئي، مهدي خالجي، “غير محتمل”.
وقال خالجي إن سعي مجتبي ليكون خليفة لوالده هو “أسطورة كاملة”، مضيفًا: “وفق الخبرة التاريخية لا أعتقد أن خامنئي سيشير إلى أي شخص، حتى ابنه، كخليفة له”.
ولكن هل يصلح خامنئي الابن ليكون المرشد الأعلى؟
بشكل عام هناك الكثير من النواقص التي تحول دون تولي مجتبي خامنئي منصب المرشد الأعلى، ومنها الخبرة التنفيذية والمؤهلات الدينية اللازمة.
ورفض علي خامنئي وسلفه آية الله روح الله الخميني، الذي أسس الجمهورية الإسلامية، من قبل فكرة نقل السلطة إلى طفل باعتباره فكرة غير إسلامية وملكية.
ويقول الخبير في شؤون الأجهزة الأمنية الإيرانية والذي يدرس في جامعة تينيسي في تشاتانوغا، سعيد جولكار، إنه على الرغم من امتلك مجتبي شبكة من العلاقات الجيدة في السلطة، إلا أن توليد منصب المرشد الأعلى يمكن أن ينعكس على إرث والده بالسلب لأنه قد يُعيد النظام الملكي.
ولذلك يقول الخبراء إن مساحة نفوذ مجتبي قد تنتهي بوفاة والده، ولذلك فمن الأفضل له أن يظل “رجل الظل”.
المصدر: وول ستريت جورنال