مع إعلان وفاة الرئيس الإيراني، تبدأ إيران في ترتيب أوراقها من جديد للحفاظ على نظام إدراتها للبلاد وهو ما تُطلق عليه نظام “ولاية الفقيه”.
وعينّت السلطات الإيرانية رئيسًا مؤقتًا للبلاد وهو محمد مخبر خلفًا لرئيسها الراحل إبراهيم رئيسي، وكذلك وزير خارجية جديد وهو على باقري خلفًا للراحل حسين أمير عبد اللهيان.
وكان الراحلان لقيا مصرعهما في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، أمس الأحد، في أحد الأودية شديدة الانحدار على الحدود الأذربيجانية.
ولكن ما هو نظام “ولاية الفقيه”؟
هو النظام الذي تُدار به الدولة الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979، وهي نظرية معقدة ومتجذرة في الإسلام الشيعي.
وتبرز نظرية ولاية الفقيه مدى تأثير رجال الدين على الدولة، والتي تبرز ليس فقط إدارة الدولة الإيرانية ولكن علاقتها بالأنظمة الشيعية الأخرى خارج حدودها.
وببساطة، يكون للمرشد الديني الأعلى في البلاد أو الولي الحق في البت في جميع القرارات النهائية والرئيسية، باعتباره الوصي على الأمة.
ويضمن هذا التسلسل وفق النظام الإيراني، ضمان أسلمة الدولة من أعلى إلى أصغر منصب.
وفي البداية، كان نظام ولاية الفقيه مخصصًا لفرض الوصاية الدينية على بعض الفئات الضعيفة مثل الأرامل والأيتام والمعاقين، ومن هم غير قادرين على حماية مصالحهم الشخصية.
ولكن بحلول السبعينيات من القرن الماضي، عمل رجل الدين الإيراني المنشق آية الله روح الله الخميني، على صياغة مفهوم جديد لنظام ولاية الفقيه، وذلك أثناء وجوده في المنفى في العراق في السنوات التي سبقت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
وتمخض عن هذا التطور نظرية الحكومة الإسلامية، والتي تقضي بأن تكون السلطة السياسية الإيرانية في أيدي رجال الدين أو علماء الشيعة، على الرغم من أنها ذات نظام جمهوري.
وتبرز الملامح الأساسية لنظام ولاية الفقيه في الكتاب الذي ألفه الخميني والمنشور في عام 1970، بعنوان “الحكم الإسلامي”.
وفي هذا الكتاب أعاد الخميني صياغة نظرية ولاية الفقيه ليعطي الحق لرجال الدين في الوصاية على الدولة، انطلاقًا من أن الله خلق الإسلام ليتم تطبيقه، وأن لا أحد يعرف الإسلام أكثر من رجال الدين.
وينظر الإيرانيون إلى المرشد الأعلى باعتباره خليفة للإمام الشيعي الثاني عشر “المهدي أو الإمام الغائب”، الذي ارتقى به الله إلى الغيب في عام 874م – وفق معتقدهم – ويتولى الحكم نيابة عنه لحين عودته.
بداية تطبيق نظام ولاية الفقيه
في أعقاب الثورة الإيرانية في عام 1979، تم إقرار مفهوم ولاية الفقيه في الدستور الإيراني، وتولى الخميني منصب المرشد الأعلى حتى توفي في عام 1989.
وحتى الآن يعد ولاية الفقه هو المصدر الأساسي والوحيد للسلطة السياسية والدينية.
ويتولى آية الله سيد علي خامنئي منصب المرشد الأعلى الإيراني حاليًا، وهو أعلى منصب في البلاد.
صلاحيات المرشد الأعلى
بموجب دستور البلاد الذي تم تعديله بعد وفاة الخميني، يمتلك المرشد الأعلى الإيراني صلاحيات مطلقة، وهو أمر رآه الخميني ضروريًا للحفاظ على النظام.
وتتسع صلاحيات المرشد الأعلى لتضم بداخلها جميع مؤسسات الدولة منذ التعديلات الدستورية في عام 1989.
وتأتي تلك الصلاحيات من منطلق أن نائب الإمام الثاني عشر لابد من أن يمتلك جميع النفوذ والسلطة المطلقة على جميع أجهزة الدولة.
ومن هذا المنظور، فإن حكم المرشد الأعلى الذي ينتمي للطائفة الشيعية الإثنى عشرية مستمد من الله، ولذلك فأهمية لانتخابات الرئاسة أو المجلس التشريعي ضئيلة، لأن المرشد هو من يحسم النتيجة النهائية باعتباره المفوض من الله.
من ناحية أخرى، لا يمتلك الشعب أو المسؤولون في الدولة صلاحية الاعتراض على سلوك أو قرارات المرشد الأعلى، بل إن معارضته بمثابة عصيان لله.
وبصفته نائب الإمام الغائب، يرث المرشد الأعلى عصمة الأئمة الشيعة الإثني عشر المعينين إلهيًا، وليس للشعب أيضًا أي رأي في تعيين المرشد الأعلى أو إقالته، وهو ما يُنظر إليه على أنه تصرف إلهي.
وعلى الرغم من أن هناك هيئة مكونة من 88 عضوًا من الفقهاء الشيعة تُسمى “مجلس الخبراء، مسؤولة عن اختيار المرشد ومراقبة سلوكه، إلا أنها هيئة صورية.
ويمتلك المرشد حق النقض على المرشحين الذين يتنافسون على عضوية المجلس، بما يجعلها دون فائدة تُذكر.
ولا توجد أي مؤشرات على أن تلك الهيئة تتمتع بصلاحيات على المرشد الأعلى، بل إن رئيس المحكمة العليا قال من قبل إنه لا توجد أي مؤسسة تمتلك الحق القانوني في الإشراف على المرشد الأعلى.
ومن أبرز الصلاحيات الأخرى لدى المرشد الأعلى: تحديد الاتجاه السياسي للحكومة، والإشراف على تنفيذ السياسات العامة للحكومة، والدعوة إلى الاستفتاءات وقيادة القوات المسلحة، وإعلان الحرب والسلام وتعبئة القوات المسلحة.
كما تشمل صلاحياته التعيين والعزل لمنصب رئيس السلطة القضائية ورئيس وكالة الإذاعة والتليفزيون ورئيس الأركان العامة والقائد الأعلى لقوات الحرس الثوري الإسلامي.
كما يقوم المرشد الأعلى بالتحكيم في القضايا التي لا يمكن حلها، وتسهيل العلقات بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والموافقة على تعيين الرئيس بعد الانتخابات، وإقالته حال الحاجة لذلك، وكذلك إصدار العفو عن الأحكام أو تخفيفها.