بات أرخبيل كاليدونيا الجديدة التابع لفرنسا والذي يقع في المحيط الهادئ عنوان رئيسي، عقب اندلاع أعمال شغب عنيفة يقف ورائها شباب ينتمون للسكان الأصليين عرق الكاناك الراغبين في الاستقلال عن باريس وبين أحفاد الفرنسيين.
منذ عقود كانت الحكومات الفرنسية تتبنى الحوار مع الاستقلاليين لكن الأحداث الأخيرة عرفت سقوط قتلى ومخاوف من انزلاقات حيث استحضر البعض الماضي الاستعماري الأليم في المنطقة وأيضا صراع نفوذ على مياه المحيطات بين فرنسا والصين والولايات المتحدة، ونستعرض خلال السطور القادمة تاريخ الجزيرة وأسباب الخلاف الممتد منذ عقود.
تاريخ كالدونيا
استقر الميلانيزيون في جزر المحيط الهادئ حوالي 3000 قبل الميلاد، وظلوا معزولين عن العالم الخارجي حتى أواخر القرن الثامن عشر، وفي عام 1774، وصل الملاح البريطاني جيمس كوك إلى الساحل الشرقي للبر الرئيسي وأطلق على الجزيرة اسم “كاليدونيا الجديدة” نسبةً إلى إسكتلندا، وطن والده.
تبعه الملاح الفرنسي أنطوان دي بروني، شيفالييه دينتريكاستو، في عام 1793، وبدأ الاتصال المنتظم مع الأوروبيين في عام 1841 عندما قدم تجار خشب الصندل من أستراليا الحديد إلى سكان الجزر.
استولت فرنسا على معظم كاليدونيا الجديدة في عام 1853، بهدف تحويلها إلى مستعمرة عقابية، ولم يرفع العلم الفرنسي في جزر الولاء حتى عام 1864، ومنذ الاستيطان الاستعماري وحتى أواخر عام 1917، شهدت المنطقة انتفاضات ميلانيزية متكررة بسبب مصادرة الأراضي وفرض الضرائب القاسية، أبرزها انتفاضة 1856-1859 وانتفاضة 1878-1879. قمعت السلطات الفرنسية هذه الانتفاضات بوحشية، مما أدى إلى تدمير القرى والمحاصيل وترحيل أو إعدام المتمردين ومصادرة أراضيهم.
بحلول عام 1860، بسطت فرنسا سيطرتها على الثلث الجنوبي من البر الرئيسي، وطبقت سياسات للتخلص من أراضي السكان الأصليين، وإعادة تجميع القبائل، وتعيين زعماء قبليين لتمثيل الإدارة، بنهاية القرن التاسع عشر، نُقل الميلانيزيون إلى المحميات وفرضت عليهم قيود قاسية في السفر والعمل، كما فرضت عليهم ضريبة الرأس حتى عام 1946.
وارتفع عدد السكان الأوروبيين تدريجيًا بعد الحرب العالمية الثانية، وبلغ ذروته خلال طفرة النيكل بين 1969 و1972، حيث أصبح الميلانيزيون أقلية في أرضهم رغم أنهم ظلوا أكبر مجموعة عرقية منفردة.
الاستفتاءات الثلاثة
تميزت العقود التالية بالصراعات السياسية بين جبهة الكاناك الاشتراكية وحزب التجمع من أجل كاليدونيا في الجمهورية (RPCR) الذي فضل استمرار العلاقات مع فرنسا، وفي عام 1988، تم التوصل إلى اتفاقيات ماتينيون، التي أعادت هيكلة الهيئات السياسية ومنحت حكمًا ذاتيًا واسع النطاق.
وُقع اتفاق نوميا في مايو 1998، ووافق عليه الناخبون في استفتاء نوفمبر، ومرره البرلمان الفرنسي في مارس 1999، وتضمن الاتفاق تغيير الوضع إلى دولة ما وراء البحار وإجراء ثلاثة استفتاءات حول الاستقلال خلال 15-20 سنة.
أظهر الاستفتاء الأول في 4 نوفمبر 2018 رفض 56% من الناخبين للاستقلال، ما اعتُبر انتصارًا لمؤيدي بقاء كاليدونيا الجديدة جزءًا من فرنسا، وإن كان بهامش أقل من المتوقع، وفي الاستفتاء الثاني في 4 أكتوبر 2020، رفض 53% من الناخبين الاستقلال.
كان من المقرر إجراء الاستفتاء الثالث في 12 ديسمبر 2021، لكن تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا بين سكان الكاناك الذين يميلون إلى تأييد الاستقلال أثار جدلاً حول موعده. ورغم الدعوات لتأجيله، أُجري الاستفتاء كما هو مخطط له، وقاطعه المؤيدون للاستقلال، حيث جاءت النتيجة برفض 96% من الناخبين للاستقلال، لكن نسبة المشاركة كانت حوالي 44% فقط، مما أثار شكوكًا حول شرعية التصويت.
الأحداث الأخيرة
اجتاحت أعمال العنف المدينة الساحلية الهادئة عادةً لمدة أسبوع تقريبًا، مما أثار الفوضى والاضطرابات، كما صرح أن شخصًا سادسًا قُتل يوم السبت في تبادل لإطلاق النار عند أحد الحواجز المرتجلة العديدة التي تسد الطرق في الجزيرة. وذكرت وسائل الإعلام الفرنسية أن شخصين آخرين أصيبا بجروح خطيرة في الاشتباك.
وقد أسفرت الاضطرابات أيضًا عن مقتل اثنين من رجال الدرك وثلاثة من سكان الكاناك الأصليين. وتُعزى الفوضى إلى الضائقة الاقتصادية والتوترات الاجتماعية، والأهم من ذلك، الصراع السياسي بين الناشطين المؤيدين للاستقلال، وغالبيتهم من السكان الأصليين، وسلطات باريس.
اندلعت الاضطرابات يوم الاثنين بسبب خطط باريس لفرض قواعد تصويت جديدة، يمكن أن تمنح عشرات الآلاف من السكان غير الأصليين حقوق التصويت، وهو ما ترى الجماعات المؤيدة للاستقلال أنه سيضعف أصوات سكان الكاناك الأصليين الذين يشكلون حوالي 40% من السكان.
رغم حالة الطوارئ التي فرضتها الحكومة في باريس على المنطقة، بالإضافة إلى مئات التعزيزات لأجهزة الأمن، يقول السكان إن العنف لا يزال يجعل الخروج من منازلهم أمرًا خطيرًا.
خسائر الجزيرة
تقدر مجموعة من الأعمال المحلية الأضرار الناجمة عن الاضطرابات، التي تمحورت حول نوميا، بنحو 200 مليون يورو، ولكن يُعتقد أن الضرر الذي لحق بسمعة الجزر قد يكون أكبر بكثير.
يعتبر قطاع السياحة واحدًا من أكثر القطاعات ربحية في كاليدونيا الجديدة. ومن المقدر أن يكون هناك حوالي 3200 سائح ومسافر يعانون من صعوبة في التنقل داخل الأرخبيل أو خارجه بسبب إغلاق مطار نوميا الدولي.
المصدر: