يبدو أن توجهات بايدن ومعتقداته اختلفت كثيرًا قبل وجوده في الُحكم، عنها بعد أن أصبح سيد البيت الأبيض والغرفة البيضاوية.
وبحسب ما ذكره الكاتب نيكولاس كريستوف، في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن السيناتور بايدن كان له آراء معارضة لسياسة الرئيس دبليو بوش في حل أزمة الإبادة الجماعة والأزمة الإنسانية في دارفور قبل 20 عامًا.
ووقتها أبدى الرئيس الأمريكي الحالي انتقادات واسعة لبيع الصين أسلحة مستخدمة لقتل وتشويه المدنيين، ودعا لإنهاء البؤس الذي لا داعي له.
وبالنظر إلى موقف بايدن مما يحدث في غزة حاليًا، يتضح التناقض الصارخ في المعايير، ولكن لماذا يظهر هذا التناقض.
ويقول كريستوف إن الحرب الدائرة في غزة ليست حرب بنيامين نتنياهو فقط، ولكنها حرب بايدن أيضًا، والتي ستصبح وصمة عار في تاريخه، خصوصًا إذا انزلق القطاع إلى مجاعة أو فوضى مدمرة.
وما يزيد من الطين بله هو الصراع غير المسبوق بين إيران وإسرائيل، الذي ينذر بحرب إقليمية إذا ما توسّع عما هو عليه، واحتمالية دخول لبنان كطرف ثالث فيها.
ويأتي ذلك بعد الضربات التي وجهتها إيران إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة مطلع الأسبوع الماضي، ردًا على الغارات الإسرائيلية على قنصليتها في سوريا والذي أودى بحياة 16 ضابطًا إيرانيًا.
بصمات أمريكية في الحرب
وسلط المقال الضوء على انخراط الولايات المتحدة في تلك الحرب، وذلك من خلال استخدام جيش الاحتلال لقنبلة أمريكية الصنع استهدفت لجنة الإنقاذ الدولية في فلسطين.
وأدت القنبلة التي تزن 1000 رطل التي أسقطتها طائرة مقاتلة أمريكية الصنع من طراز إف-16، إلى ضربات شبه قاتلة على المنظمة الأمريكية التي تحظى باحترام كبير.
وهذه العملية بالتأكيد لن تتم إلا بموافقة بايدن، وفق الصحيفة.
وقال المسؤول السابق في إدارة بايدن وأوباما والذي يدير الآن منظمة اللاجئين الدولية، جيريمس كونينديك، إن إدارة بايدن قدمت كل ما يضمن استمرار الحرب في غزة، ووفرت الغطاء الدبلوماسي لها في الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن أمريكا لم تنخرط مباشرة في الحرب، مثلما فعل بوش في حرب العراق أو جونسون في حرب فيتنام، ولكنها متورطة بشكل غير مباشر بالتأكيد.
وفي حين أن قلق بايدن يتصاعد من الخسائر البشرية الناجمة عن الحرب، ويتمنى لو كانت إسرائيل تديرها بمزيد من ضبط النفس، إلا أنه لم يتراجع لحظة عن دعمه لحليفته في الشرق الأوسط.
ويقول كونينديك، إنه على الرغم من أن بايدن لم يكن يفضل تلك الحرب الدائرة، إلا أنه يدعهما ماديًا بالطبع وهو ما يجعلها حربه.
لا مخرج!
بعد 6 أشهر من حرب غزة، باتت إدارة بايدن في مأزق استراتيجي حقيقي، ولا يوجد مخرجًا واضحصا له في ظل اعتمادها على عناصر ترى في استمرارية الحرب مصلحة لها.
وربما كانت الولايات المتحدة تهتم بتسليح إسرائيل لضمان استعدادها عند نشوب أي صراع مع إيران أو حزب الله، وهو مصدر قلق مشروع.
ولكن هذا التسليح غير المشروط من شأنه أن يفتح الباب أما نتنياهو لإجراء تصرفات استفزازية، خصوصًا وأن السلام ليس في مصلحته الشخصية، ويمكن أن ننظر باستهداف قنصلية إيران في دمشق على أنه أحد تلك التصرفات.
إجراء انتخابات مبكرة ليس في صالح نتنياهو، ولذلك اتخذ الأخير هذه الخطوة التصعيدية، لأن توسيع أمد الحرب يضمن يقائه في السلطة لفترة أطول، وفق السيناتور كريس فان هولين، وهو ديمقراطي من ماريلاند وخبير في السياسة الخارجية.
ويعكس دعم بايدن العسكري إلى إسرائيل فلسفة جيله الذي نشأ في ظل المحرقة، وإعجابه العميق بإسرائيل والذي دفعه ليقول بإنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان عليهم اختراعها.
وعبّر السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، دانييل كيرتزر، عن الأمر قائلًا: “الرئيس بايدن يدعم إسرائيل بشكل خارق للطبيعة، إنه موجود في حمضه النووي”.
ويصف البعض الآخر بايدن بأنه صهيوني من الطراز القديم وهو ما يجعله يميل نحو الكفة الإسرائيلية.
التعامل مع إسرائيل
وربما أخطأ بايدن في الطريقة التي قرر بها التعامل مع نتنياهو، والذي كان يتجاهل دائمًا نصائح الأول بضبط النفس خلال الحرب.
وبدلًا من يستخدم الشدة في ردع تنتياهو غن تصرفاته الأحادية، قرر التغاضي عنها، وهذا يتنافى مع المبدأ القائل بأن الدبلوماسية هي مزيج بين “الجزر والعصا”.
وما لاحظناه خلال الفترة الماضية هو أن بايدن لم يقدم لرئيس الوزراء الإسرائيلي سوى كميات كبيرة ممن الجزر فقط، ولم يكن من نتنياهو في المقابل إلا مزيد من التجاهل للتوصيات الأمريكية.
وفي بعض الأحيان كانت الحيل تنفذ أمام واشنطن لإقناع تل أبيب بأي توصية، مثل إدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع.
وعندما فشلت الولايات المتحدة في إقناع إسرائيل بهذا الأمر، اضطرت إلى إلقاء المساعدات والطعام من الطائرات فوق غزة.
كما يبدو أن بايدن لم يتوقع مدى وحشية قصف غزة، وكيف ستخنق إسرائيل تدفقات المساعدات وتجويع سكان غزة في الواقع، وإلى متى ستستمر الحرب، وأشارت الإدارة إلى أنها تتوقع انتهاء الحرب بحلول نهاية عام 2023.
ولكن بمرور الوقت ومع ارتفاع أعداد الشهداء من النساء الأطفال وتسوية أحياء بأكملها بالأرض، وهو ما كانت تريده إسرائيل منذ بداية الحرب وأعلنته بشكل صريح، بدأت خطاب بايدن في التغير قليلًا.
وبعيداً عن الخسائر البشرية، فقد أدت الحرب أيضًا إلى تقويض المصالح الأميركية الأوسع.
وقال نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق، إن “بايدن نفسه، وكذلك أمريكا، “باتوا ضعيفين الآن، وبالتالي أقل مصداقية كشريك أمني، لأن نتنياهو لم يستجب بشكل كامل وعلني للطلبات الأمريكية الفاترة، دون أن تكون هناك أي عواقب”.
وقال المسؤول الكبير السابق في الأمم المتحدة والذي يشغل الآن منصب الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، جان إيجلاند، أن السلطة الأخلاقية الأمريكية تآكلت إلى حد كبير بسبب نقلها المستمر للأسلحة لمواصلة الحرب في غزة.
تهديدات
وفي هذا الشهر، أظهر بايدن في وقت متأخر استعداده للضغط على نتنياهو والاستفادة من المساعدات التي تقدمها أمريكا.
وفي مكالمة متوترة استمرت 30 دقيقة، هدد بربط عمليات نقل الأسلحة الأمريكية بإجراءات إسرائيل لمعالجة المخاوف الإنسانية في غزة.
وأكد إسرائيل مرارًا على أنها لا تمنع الشاحنات، ولكن بمجرد أن أصبح بايدن جديًا مع نتنياهو، زادت أعداد الشحنات.
وهذا أكد أن استخدام بعض النفوذ من قبل بايدن، ساهم في الحصول على نتائج في ساعة واحدة أكثر مما حصل عليه في ستة أشهر.
وفي ختام المقال، أبدى كريستوف حزنه بسبب تورط بايدن الذي وصفه بأنه كان رئيسًا مثيرًا للإعجاب، في مجال السياسة الخارجية.
المصدر: نيويورك تايمز