اعتاد صناع السلع الفاخرة على ممارسة ظاهرة لحماية علاماتهم التجارية، إذ يوجهون آلاف الأطنان من الأزياء الحديثة والملابس والأحذية والحقائب والعطور والساعات إلى المحارق للتخلص منها، وهي الظاهرة التي اصطلح على تسميتها “السر الأقذر”.
ويلجأ صناع السلع الفاخرة إلى حرق منتجاتهم، بهدف منع وصولها إلى تاجر يبيعها بأسعار مخفّضة، فتتضرر الصورة التسويقية للسلعة كونها حصرية للأثرياء.
ويؤدي ذلك إلى تضرر البيئة بشكل لافت، جراء هذه الظاهرة التي تسهم أيضاً في التغير التدريجي للمناخ رغم النداءات والاستغاثات والتحذيرات، ففي حين تتجه شركات السلع الفاخرة العملاقة إلى سحب موارد طبيعية ضخمة من الكوكب، ثم بعد ذلك يدمرون البيئة في عمليات التصنيع والشحن، لكن الضرر لا يتوقف عند ذلك الحد؛ بل ينتقل إلى مرحلة أعلى من مخالفة المنطق الإنساني في سبيل تحقيق المنطق الربحي، حين قرر الصناع أن مخزوناتهم الفائضة يجب التخلص منها تماماً من خلال حرقها.
أسماء لامعة
وفي قائمة المتورطين في هذه الممارسة أسماء لامعة، وهي أيضاً ليست سرية، إذ عادة ما تسلط الصحافة الضوء على هذه الظاهرة لخلق الضغوط على مرتكبيها، بالرغم من أن الشركات ليست ملزمة قانوناً بالإعلان عن سياساتها للتخلص من المخزونات الفائضة، إلا أن بعض المساهمين في الشركات فضحوا تلك الممارسات في مخالفة إدارة الشركة.
تضم القائمة على سبيل المثال شركات بربري Burberry البريطانية للأزياء الراقية، وريتشمونت Richemont التي تمتلك علامتي Cartier وMontblanc، وكوتش Coach واتش آند إم H&M وغيرها.
“السر الأقذر”
يُشار إلى صناعة الأزياء على أنها من أكثر الصناعات المسببة للتلوث في العالم، ورغم أسرارها العديدة فيما يتعلق بتدمير البيئة، لكن حرق البضائع الصالحة للاستخدام تماماً في محاولة للحفاظ على المكانة ربما يكون أقذر سر بينها جميعاً، بحسب لوين رولوف المسؤول لدى منظمة Greenpeace البيئية غير الحكومية.
ويوضح لوين أن الشركات لا تُظهر أي احترام لمنتجاتها والعمل الجاد والموارد الطبيعية المستخدمة في صنعها، حتى على الرغم من ارتفاع أسعار تلك المنتجات، متابعاً: “تشير الكمية المتزايدة من المخزون الفائض إلى الحاجة لخفض الإنتاج لكنهم لا يفعلون ذلك خشية إغضاب المساهمين، فيعملون على مواصلة الإنتاج وحرق ملابس ومنتجات جديدة تماماً”.
فيما أوضح تيمو ريسانين أستاذ تصميم الأزياء والاستدامة في كلية Parsons للتصميم، أن “الحرق والتقطيع هما الآليتان الرئيسيتان في التخلص من المخزون الفاخر الفائض، بينما يمكن أيضا دفنها”، موضحاً: “لكن معظم الشركات تقوم بالحرق حتى يتمكنوا من الادعاء بأن المحارق تلتقط الطاقة وتستفيد بها بما يوحي بأنهم يحترمون البيئة”.
[two-column]
لأغراض ربحية، يلجأ صناع السلع الفاخرة إلى حرق منتجاتهم، بهدف منع وصولها إلى تاجر يبيعها بأسعار مخفّضة، وهي الظاهرة التي تُعرف بـ”السر الأقذر”
[/two-column]
“في كل مكان بالعالم”
يقول ريسانين إن عمليات حرق السلع الفاخرة تحدث في كل مكان بالعالم من أمريكا إلى السويد، لكنه لفت إلى أن الكثير من تلك العمليات يحدث في الهند، بينما هناك بلدة تدعى بانيبات متخصصة في تقطيع الملابس الفاخرة.
ولذلك كله تأثير سلبي على البيئة، ففضلاً عن انبعاث الكربون من الاحتراق، يمثل البوليستر، الذي يأتي من النفط، نحو 60% من إجمالي سوق الملابس الآن، وعندما يتم حرقه فإننا نحرق الزيت، لذا ينبعث ثاني أكسيد الكربون والكثير من المواد الكيميائية المتعلقة بملحقات الملابس والمنسوجات كالصبغات وغيرها.
وبشكل خاص، فإن صناعة الأزياء وحدها مسؤولة عن 8 إلى 10% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً، وهي نسبة أكثر من صناعات الطيران والشحن البحري مجتمعين، كما تنتج صناعة الأزياء وتبيع ما بين 80 إلى 150 مليار قطعة ملابس سنوياً على مستوى العالم.
وينتهي الحال بما يقرب من ثلاثة أخماس الملابس المُنتجة إلى المحارق أو المدافن في غضون سنوات من تصنيعها، وفقاً لإحصاءات جمعتها “فوكس دوت كوم” من ماكينزي والأمم المتحدة ومؤسسة إلين ماك آرثر والبنك الدولي والنقابات العمالية الدولية.