قبل حوالي 50 عامًا، كانت المنافسة محتدمة بين جويل إنجل، وهو مهندس أمريكي عمل في برنامج أبولو التابع لوكالة ناسا، ومارتن كوبر، قائد مجموعة بحثية منافسة في شركة راديو وإلكترونيات تدعى موتورولا، وكان الغريمان يهدفان لتطوير أول هاتف محمول يمكن حمله في كل مكان.
وفي أحد أيام العام 1973، رن الخط الأرضي في مختبر إنجل، وكان على الطرف الآخر كوبر الذي أجرى الاتصال من هاتف محمول شخصي محمول باليد، ليفوز بالسباق ويسجل باسمه هذا التقدم في التاريخ”.
وعلى الرغم من أن جهاز كوبر لم يكن أنيقًا كما هي الهواتف المحولة حاليًا، فكان كبيرًا وذو هوائي ضخم، إلا أنه كان كافيًا لتسجيل هذه اللحظة التاريخية، والآن وبعد ما يقرب من نصف قرن بات الهاتف المحول جزء أساسي من حياتنا وغير فيها بشكل كبير وأحيانًا بطرق غير متوقعة.
تطور الهاتف المحمول
في حين أن مشروع الهاتف المحمول حظي بدعم الحكومة الأمريكية وقتها، إلا أن تكلفته ظلت مرتفعة ولم يُتح الهاتف المحمول للمستهلكين العاديين إلا بعد 10 سنوات من مكالمة كوبر، لكن على أي حال كانت هذه بداية عصر الهاتف المحمول.
تقول المحاضرة في الإعلام والتكنولوجيا في كلية لندن للاقتصاد، ليزلي هادون، والتي كانت من أوائل المستخدمين للهاتف المحمول، إنها دفعت 300 جنيه إسترليني ما يعادل 500 دولار في هذا الوقت، مقابل أحد هذه الأجهزة التي كانت تأتي بحجم كبير لدرجة أنها لم تستطع إحكام قبضتها عليه.
ولكن سرعان ما شهدت الهواتف المحمولة تطورات متتالية، حتى تم إصدار الهاتف الشهير Nokia N95، في عام 2006، وكان يحتوي على راديو FM وشاشة ملونة ومكبرات صوت استريو وكاميرا فيديو، ولكن سرعة الإنترنت به كانت بطيئة.
ظل N95 وقتها هو أفضل هاتف في السوق لبضعة أشهر، ولكن في يونيو من نفس العام، اقتحمت شركة آبل سوق الهاتف المحمول بإصدارها تحت مسمى آيفون، المنتشر حاليًا في جميع أنحاء العالم.
ومثلا N95 و iPhone وقتها طفرة في عالم الهواتف المحمولة، فهي لم تكن مجرد هواتف ولكنها جمعت بين مجموعة من التكنولوجيا، فتضمنت رقائق أصغر وأسرع للكمبيوتر والترانزستورات، وهو ما أهلها لتضمين متصفحات الإنترنت والكاميرات وخدمات الموقع والمشاعل والبلوتوث، لتُصبح هواتف ذكية.
الهواتف الذكية
أصبحت الهواتف الذكية اليوم بمثابة مراكز مصرفية ومساعدين شخصيين وشاشات سينما بحجم الجيب ومشغلات موسيقى، وهي تشمل الجيروسكوبات والبارومترات ومقاييس الحرارة ومقاييس المغناطيسية وأجهزة الاستشعار بالأشعة تحت الحمراء وأجهزة استشعار بصمات الأصابع.
كما أن سرعات الإنترنت عبر الهاتف المحمول تحسنت بشكل جذري، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى انتشار خدمات مثل إنترنت G5، ويناقش المصنعون بالفعل احتمالية إضافة شبكات G6 في السنوات القادمة.
من ناحية أخرى، ساعدت تطبيقات البرامج المبتكرة طرقًا جديدة لاستخدام هذه الأجهزة، إذ مكنّت أجهزة آيفون الأطباء من استبدال المعدات باهظة الثمن التي تعرض مقاطع الفيديو التي تم التقاطها بواسطة المناظير الداخلية.
وخلال جائحة كوفيد- 19، مكن البلوتوث مهندسي البرمجيات من بناء أنظمة تتبع جهات الاتصال التي يمكن أن تخبرنا عندما كنا على مقربة من الأفراد المصابين، كما ساعدت مكالمات الفيديو المسعفين في التواصل مع المرضى في المناطق النائيةوتقديم التشخيص المناسب لهم.
وأدى الجمع بين الذكاء الاصطناعي والقدرات غير العادية في جمع البيانات للهواتف الذكية إلى خلق فرص أخرى، إذ تستخدم إحدى الشركات البريطانية الناشئة تُدعى Novoic، التعلم الآلي للكشف عن العلامات المبكرة لمرض الزهايمر من خلال تحليل الكلام المسجل على الهواتف المحمولة.
وبالمثل، تسمح لنا خاصية GPS في الهواتف باستخدامها كملاحة عبر الأقمار الصناعية.
مستويات أعلى من التطوير
يرى الباحثون أن الهواتف تجلب التحديات وكذلك الفوائد، لقد أدت إلى مخاوف واسعة النطاق بشأن الآثار السيئة “لإدمان” الهواتف الذكية وسهولة الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتويتر.
ويقول المصنعون إن الهاتف المحمول بشكله المستطيلي الحالي، يمكن أن يفتح مجالًا لتطوير أنواع جديدة من الهواتف القابلة للطي التي تعطي فرصة لاستمتاع بشاشة أكبر ولكنها تتناسب مع جيوبنا في نفس الوقت.
ويعتقد آخرون أن الأمر نفسه ينطبق على النظارات الذكية، إذ يمكن للتطوير أن يصل بنا من قدرات الهاتف الذكي إلى التكنولوجيا القابلة للارتداء، بغض النظر عن تجربة Google Glass التي لم تحقق النجاح المتوقع، ولكن الفرصة لا زالت قائمة أمام صنع نموذج جيد آخر من هذه النظارات.
الهواتف في المستقبل ستكون مدمجة في بشرتنا.. ما القصة؟