منذ إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق العملية العسكرية في الأراضي الأوكرانية تباينت ردود الأفعال، حيث يرى الغربيون أنه غزو وانتهاك صارخ لسيادة أوكرانيا، بينما يرى أنصار بوتين أنه حق أصيل للدفاع عن مصالح روسيا وحماية بعض الأقليات التي تتعرض للاضطهاد على يد القادة الأوكرانيين واصفين إياهم بـ”النازيين الجدد”.
الجميع يحاول معرفة الموقف الرئيسي للشعب الروسي، ومدى تقبله للعملية العسكرية، حيث بررت بعض التحليلات صمتهم بالخوف من قبضة الدولة الحديدية، وفي ذلك الإطار سعى أندريه جوريانوف مراسل “بي بي سي” لدى روسيا قبل اندلاع الحرب، لتحليل رد فعل المواطنين على الهجوم الذي يشنه جيشهم على الأراضي الأوكرانية.
النجاح في توفير البدائل
يقول أندريه جوريانوف، أن الجميع لم يكن يتوقع في البداية أن ينفذ بوتين تهديداته، لكن عندما بدأت الأمور في أخذ منحنى الجدية غادر الآلاف من الروس البلاد بصحبة الأجانب، إلا أن الحياة لم تصب بالشلل في روسيا، فالمطاعم والمتاجر والشركات ما زالت مفتوحة، ربما غادر العديد من الصحفيين المحببين والمتخصصين في تقنية المعلومات لكن آخرين حلوا محلهم، قد يشتكي المتسوقون من ارتفاع الأسعار، لكن البدائل المحلية حلت محل بعض السلع المستوردة.
وأوضح ” جوريانوف” أن جميع الخدمات تعمل بشكل طبيعي مع توفير بدائل، حيث حلت السيارات الصينية مكان السيارات الأوروبية التي كانت تعمل في خدمات نقل الركاب الخاصة بديلة التاكسي.
وبحسب ألكسندر تيتوف الأكاديمي الروسي، فإن العقوبات الدولية لم تدفع روسيا إلى حافة الانهيار الاقتصادي على غرار الانهيار الاقتصادي في التسعينيات ولكن روسيا مع ذلك تعيش أزمة.
مدينة خاركيف تخشى الاعتراض
تبعد مدينة خاركيف 80 كيلومتراً فقط عن الحدود الأوكرانية، واعتاد سكانها منذ 2014 على مرور قوافل الشاحنات العسكرية من المدينة متجهة نحو خط المواجهة، وهم اليوم منزعجون بحسب وصف ” جوريانوف”، لكنهم يحاولون عدم إظهار ذلك، وما زالت مهرجانات الشوارع المبهجة التي ينظمها الحاكم المحلي تحظى بحضور جيد، لكن الأطباء المحليين يتركون وظائفهم بأعداد كبيرة، حيث إنهم غير قادرين على التعامل مع أعداد جرحى الحرب الذين يتم إحضارهم للعلاج في المستشفيات المحلية.
وفي السياق ذاته، يشعر سكان بلدة شيبكينو الحدودية الصغيرة بالإهمال والغضب، حيث أصبح القصف عبر الحدود حقيقة يومية، وتزداد صدمتهم عند زيارة المدن الروسية الأخرى حيث لم يتغير بها شيء، بينما انقلبت حياتهم رأسًا على عقب.
ويتظاهر سكان بسكوف القريبة من الحدود الإستونية واللاتفية بأن الحرب لا علاقة لها بهم، ويرفضون إبداء رأيهم الحقيقي في مسألة كون دونتسيك روسية أم أوكرانية، فتحصل دائمًا على إجابة: لسنا متأكدين.
بسكوف هي موطن لفرقة الهجوم الجوي 76 للحرس ، والتي تشتهر الآن بجرائم الحرب التي يتهم جنودها بارتكابها في بوتشا الأوكرانية.
الأغلبية من الروس لا يهتم
يحاول كل طرف إظهار أن الشعب الروسي في صفه، فالحكومة تدعي تأييد جموع الشعب لها في العملية العسكرية، بينما يزعم الغرب أن الغالبية يرفضون لكنهم لا يفصحون بذلك خوفًا على حياتهم.
أجريت العديد من استطلاعات الرأي في هذا الشأن، لكن يشكك الكثيرون في دقتها نظرًا لعدم وجود مساحة كافية لحرية التعبير في روسيا، ما يجعل من المستحيل معرفة ما إذا كان الناس صادقين، إلا أن النتائج أظهرت أن غالبية الروس، إن لم يكونوا يدعمون الحرب فهم لا يعارضونها بالتأكيد، وأن نسبة صغيرة من الناس تدعم الحرب بنشاط، ونسبة صغيرة تعارضها بشدة، حيث اختار العديد من الروس الابتعاد عن السياسة وترك الكرملين يقرر نيابة عنهم، مع تفضيلهم دعم محادثات السلام لإنهاء القتال.
قراءة تحليلية: روسيا التي أنهكتها الحرب لا تزال غُصّة في حلق أوروبا
سلاح روسيا السري.. كيف انتهى شهر العسل بين موسكو و”مجموعة فاغنر”؟