تطلب العمل عن بُعد خلال فترة الإغلاق التي فرضتها جائحة كوفيد-19، المزيد من الإجراءات التنظيمية لأسلوب العمل الجديد، وكان من بينها فرض رقابة أكبر على الموظفين.
كان الهدف من هذا الإجراء الذي طبقته بعض الشركات، ضمان سير العمل، والتأكد من أن الموظفين يقومون بأدوارهم على أكمل وجه.
ضغط نفسي
يقول مارك وهو موظف في إحدى الشركات التي فرضت رقابة على العاملين، إنه كان يتمتع بقدر كبير من الاستقلالية في وظيفته في قسم التكنولوجيا في الفترة التي سبقت جائحة كوفيد، وكان قادرًا على أداء مهام عمله دون توجيه زائد من مديره، وفق تقرير أوردته بي بي سي.
ويضيف: أن الأمر تغير خلال العمل من المنزل، عندما استخدمت الشركة برنامجًا يتيح عن بعد في أنظمة الموظفين، وهو ما خلق نوعًا من الضغط على مارك وساهم في شعوره سريعًا بالإرهاق، لعدم قدرته على أخذ استراحة خوفًا من اتهامه بالتقاعس.
تشير بعض تقديرات عام 2022، إلى أن عدد الشركات الكبيرة التي تراقب العمال قد تضاعف منذ بداية الوباء، وتسجل بعض برامج المراقبة ضغطات المفاتيح أو تتبع نشاط الكمبيوتر عن طريق التقاط لقطات شاشة دورية، فيما تسجل البرامج الأخرى المكالمات أو الاجتماعات.
وبغض النظر عن الطريقة، فإن العديد من الشركات تتبنى المراقبة لأنها تعتقد أنها تضمن إنتاجية الموظفين عن بعد، كما تقول كارين ليفي، الأستاذة المشاركة في قسم علوم المعلومات بجامعة كورنيل بالولايات المتحدة.
ولكن أثبتت الأدلة أن المراقبة الزائدة قد تضر أكثر مما تنفع، إذ يمكن أن تؤدي إلى الإجهاد وتسبب استقالة الموظفين.
مزيد من الرقابة
أظهرت دراسة أجريت عام 2021 من أداة أمن الإنترنت ExpressVPN على 2000 صاحب عمل و 2000 موظف يعملون عن بُعد، أن ما يقرب من 80٪ من الرؤساء يستخدمون برمجيات المراقبة.
واستخدم المديرون بشكل متزايد برامج لمراقبة ضغطات مفاتيح الموظفين وأنشطتهم، وجمع بيانات حول اتصالات العمال التي تتم عن القنوات الرقمية، وفي بعض الأحيان استخدموا كاميرات لمراقبة حركة العين، وفق ليفي.
وتقول: إن بعض الشركات استغلت البيانات التي جمعتها من المراقبة لتوقع أفعال الموظفين المستقبلية، مثل احتمال طلبهم لزيادة أو نيتهم لترك الوظيفة، وذلك من خلال مراقبة سجل البحث الخاص بهم على الويب.
ويعتقد معظم المديرين أن معرفة المزيد عما يفعله العمال مفيدًا في اتخاذ القرارات، أو إجبار العمال على الامتثال لأهداف الشركة، بحسب ليفي.
وفق مؤشر اتجاهات العمل لعام 2022 لشركة Microsoft، فإن 85٪ من القادة يجدون صعوبة في التأكد من إنتاجية العمال.
فيما يعتقد الأستاذ في جامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة، ديفيد ويلش، أن الشركات تريد أن تحصل على أكبر قدر من السيطرة، ولكن قد يترجم الموظفون هذه الرغبة إلى شعور بالقمع.
كسر القواعد
تُشير بيانات أبحاث المراقبة إلى أن تتبع حركة الموظفين تأتي غاليًا بنتائج عكسية، وقد تجعل الموظفين أكثر عُرضة لخرق القواعد، ووفق دراسة أعدها ويلش، فإن الموظفين تعمدوا أخذ فترات راحة غير مصرح بها، وعملوا عن قصد بشكل أبطأ وسرقوا معدات مكتبية أكثر من أقرانهم غير الخاضعين للمراقبة.
يقول ويلش إن المراقبة جعلت الأشخاص يشعرون بنقص المسؤولية، وكانوا أكثر عُرضة للغش أثناء مراقبتهم لأنهم شعروا أنهم تحت السيطرة.
من جانبه، قال الباحث في جامعة سارلاند في ألمانيا والمؤلف المشارك لتحليل حول تأثير المراقبة الإليكترونية، أن مراقبة الموظفين لا تأتي بأية نتائج إيجابية.
ويقول ليفي: إن المديرين يعتقدون أن الرقابة الزائدة قد تدفع الموظفين للعودة إلى أماكن العمل للشعور بمزيد من الاستقلالية.
تأثيرات سلبية
بشكل عام، فالمراقبة في حد ذاتها ليست سيئة، ولكن يختلف تأثيرها باختلاف طبيعة الوظيفة والعاملين وكيفية استخدام أصحاب العمل لها، وأظهرت البيانات أن المراقبة يمكن أن تعزز الأداء والإنتاجية.
وتكمن المشكلة في اختراق المراقبة لمنطقة الراحة الخاصة بالموظفين، والتذرع بأسباب عدة لفرض المزيد من الرقابة عليهم باسم التأكد من الكفاءة والإنتاجية.
وقد تدفع هذه الإجراءات الموظفين للتخلي عن هذه الوظائف لتجنب هذا النوع من التشدد في المراقبة، ويقول ليفي إن بعض أصحاب العمل سوف يدركون المسؤولية ويتوقفون عن المراقبة بدلاً من فقدان الأشخاص.
قد تكون هناك أيضًا طرق لجعل المراقبة تجربة أقل رفضًا من قبل العمال، إذا كان أرباب العمل يتسمون بالشفافية والصراحة بشأن ضرورة وأغراض المراقبة.
