صحة منوعات

هل الإرهاق سبب كافي لترك العمل؟

أثارت استقالة رئيسة وزراء نيوزيلندا، “جاسيندا أرديرن”، من منصبها بعد حوالي 5 سنوات، التساؤل حول ما إذ كان من الضروري إعادة النظر في تأثير أماكن العمل على الصحة العقلية للموظف.

وأنجبت “أرديرن” التي تبلغ من العمر 42 عامًا، أحد أبنائها خلال فترة ولايتها، كما تعاملت مع أحداث عصيبة خلال هذه الفترة مثل أسوأ حادث إطلاق نار جماعي في البلاد على الإطلاق، وثوران بركاني مميت وتداعيات وباء كوفيد -19.

ولم تُشر أرديرن صراحة إلى أن قرارها بترك المنصب جاء بسبب الإرهاق، إلا أن الجماهير ووسائل الإعلام فسرت خطاب استقالتها على نطاق واسع على أنه يُشير إلى ذلك، إذ قالت: “السياسيون بشر، نحن نقدم كل ما في وسعنا ومن ثم يحين وقت الاستقالة”.

ونال قرار رئيسة وزراء نيوزلندا السابقة إشادة من الكثيرين، باعتبارها واحدة من أوائل القادة السياسيين البارزين الذين اعترفوا بعبء العمل الزائد المصاحب لمسؤولية إدارة بلد ما، كما أثنى البعض على أن القرار قد يعتبر انطلاقة لإعادة تعريف جماعي للإرهاق باعتباره شيئًا خطيرًا، بل وربما يهدد الحياة، وليس مجرد سمة شخصية لجيل الألفية الذي يخشى أساليب الحياة ذات الطابع المُرهق.

ما هو الإرهاق؟

وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية (APA)، يُعرَّف الإرهاق على نطاق واسع بأنه الإرهاق الجسدي والعاطفي مقترنًا بانخفاض الحافز وانخفاض الأداء في العمل.

وينتج الإرهاق عن مستوى عال من الإجهاد والتوتر الشديدين للجسد والعقل، وأدرجت منظمة الصحة العالمية في عام 2019 الإرهاق ضمن تصنيفها الدولي، وعرفته بأنه “ظاهرة مهنية”.

وتقول إليزابيث جريس سوندرز، كاتبة ومدربة إدارة الوقت في هارفارد بيزنس ريفيو، إن الإرهاق مدفوع عمومًا بعوامل تشمل عبء العمل المفرط، والنقص الملحوظ في التحكم والشعور بأن الوقت والجهد المبذولين في الوظيفة لا يتناسبان مع المكافآت.

وأظهرت دراسة في عام 2007 أن وصمة العار هي واحدة من أكبر العوائق التي تحول دون علاج تحديات الصحة العقلية، فيما أشارت أخرى أُجريت في عام 2020، إلى أن وصمة العار المتصورة قد تعكس الاعتقاد بأن معظم الناس ينظرون إلى الأفراد المنهكين على أنهم أقل كفاءة من أولئك الذين لم يظهر عليهم أعراض للإرهاق.

وتُظهر البيانات الواردة من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن النساء أكثر عرضة من الرجال للتحدث عن الصحة العقلية والبحث عن العلاج مما يعرضهن لهذه الوصمة، في حين أنه عندما يتحدث الأفراد عن الإرهاق، فإن الآليات والموارد اللازمة لدعمهم غالبًا ما تكون غير موجودة.

الاعتراف بالصحة العقلية

يعتقد البعض أن استقالة أرديرن ستبرز معاناة البعض، بالإضافة إلى دفع القادة للاعتراف بالصحة العقلية للموظفين كأولوية استراتيجية، خصوصًا وأن “أرديرن” كان مشهودًا لها بالكفاءة.

وتقول إيونا هولواي، مؤلفة كتاب Ghost: Why Perfect Women Shrink ، إن رؤية التجارب الذاتية منعكسة على شخص مثلك قد يكون لها قيمة كبيرة في تغيير الإدراك تجاه نفس المشكلة، مضيفة أن الشفافية والصدق لعبا دورًا مهمًا في إزالة الغموض عن الإرهاق المنتشر على نطاق واسع بين عدد كبير من الموظفين.

القلق من التفسيرات الخاطئة

رغم ذلك، فإن قدرة استقالة أرديرن على إحداث تغيير إيجابي حقيقي مازال بعيدًا، خصوصًا وأن شخصيات بارزة عدة تحدثت من قبل عن شعورها بالإرهاق مثل “سيمون بيلز”، ونعومي أوساكا، ولم يساهم ذلك في التخلص من وصمة العار أو توفير موارد أكثر للموظفين.

ولا يرجع ذلك بالضرورة إلى أن الأفراد الذين يتحدثون بصوت عالٍ يفتقرون إلى المصداقية أو التأثير، ولكن بسبب طبيعة الإرهاق وسبب حدوثه، كما أنه يسير جنبًا إلى جنب مع بعض أكثر السمات سمية وترسيخًا في العديد من ثقافات مكان العمل مثل القدرة التنافسية الشرسة.

ولكن أكثر ما يثير القلق حول استقالة “أرديرن” هو ربط ذلك بعدم قدرة المرأة بشكل عام والأمهات منهم بشكل خاص على تولي القيادة في المناصب الهامة، حسبما تقول أديلا حسين، مستشارة الإدارة ورائدة الأعمال في لندن.

ومع ذلك، يأمل الباحثون في أن تكون هذه الاستقالة بابًا للحديث أكثر عن الإرهاق في العمل، وأن تمحي أساطير التنافس والمقارنة، بل ويساهم في الالتفات إلى العاطفة والإنسانية باعتبارها جزأ لا يتجزأ من القيادة وليست عائقًا أو نقطة ضعف.

كيف تبدو حازمًا دون عدوانية في العمل؟ قل ولا تقل هذه الكلمات

في 3 خطوات.. كيف تحدد أهداف العمل السنوية؟

“العمل الدولية” ترسم سيناريو قاتم لنمو الوظائف العالمية في 2023