تتمتع محافظة تيماء بأهمية تاريخية وسياحية وثقافية مهمة، إذ تمتلئ بالكنوز الأثرية مُفرطة القِدم والعراقة، بتاريخ يمتد إلى أكثر من 85 ألف عام، ما جعلها تنال اهتمامًا كبيرًا من برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، في إطار رؤية المملكة 2030.
بصفتها جوهرة من أكثر مواقع تبوك ازدهارًا، حظيت تيماء بنصيب كبير من اهتمام القيادة، مثل اعتماد مشروع تطوير متحف تيماء الإقليمي بمبلغ يناهز الـ 34 مليون ريال.
نلقي نظرة مدققة عن كثب على حضارة تيماء في هذا التقرير.
ذكر عريق
تحتفظ تيماء بالكثير من المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية والنقوش الحجرية، وليس هذا غريبًا مع ذكرها في الكتابات المسمارية بأنواعها، الآشورية، والمسمارية، والبابلية، والآرامية، والنبطية، كما عُثر فيها على أدوات فخارية ذات خصائص زخرفية مميزة، وأجزاء من تماثيل آدمية وحيوانية وعناصر زخرفية وعملات ومنحوتات حجرية كالمباخر والتيجان وغير ذلك من المواد الأثرية.
ولوفرة ونقاء مياهها وخصوبة تربتها واعتدال مناخها، تعاقبت على تيماء الحضارات القديمة، بترتيب العصور التالية:
1 – العصور الحجرية الحديثة “الألف العاشر وحتى نهاية الألف الرابع ق.م”
2 – العصر البرونزي “الألف الثالث ق.م”
3 – العصر الحديدي “الألف الثاني ق. م” وهو العصر الذي فيه ازدهرت تيماء حتى أصبحت واحدة من أهم المدن في شمال الجزيرة العربية.
وبأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، صار الصحابي يزيد بن أبي سفيان وليًا عليها، حيث ظلت أرضها مورداً مهماً ومنطلقاً للفتوحات الإسلامية، ومرت بأحداث عدة خلال العصر الإسلامي، وبدأ تاريخها بالازدهار حين كان ذكرها يلتمع أحيانًا ويخفت أحيانًا أخرى حتى عهد الدولة السعودية، كما صارت مركزاً تجارياً واقتصادياً ونقطه التقاءً للطرق التجارية القديمة فيها على مر العصور.
معالم تيماء
على سبيل المثال، نذكر بعضًا مما تتميز به تيماء من معالم وشواهد تاريخية مثل:
* السور الخارجي: تعود فترة بنائه إلى القرن السادس ق.م، وهو أحد أطول الأسوار التاريخية في الجزيرة العربية وأكثرها تحصينا، بطول يتعدى 10 كيلو مترات، وارتفاع يبلغ في بعض الأجزاء المتبقية حاليا أكثر من 10 أمتار وعرض جدار ما بين المتر والمترين، بُنيت بعض أجزائه بالحجارة، وفي أجزاء أخرى من اللبن والطين.
* قصر الرضم: يعود تاريخه إلى منتصف الألف الأول ق.م، وهو حصن مربع مع بئر مشيد في منتصفه من الحجارة المصقولة، ذو دعامات في زواياه ووسط أضلاعه من الخارج ويصل عرض جداره إلى المترين.
* بئر “هداج”: ويعود تاريخها إلى منتصف القرن السادس من الألف الأول ق.م، بصفتها أحد أشهر الآبار التي عرفها العالم القديم، وتعرضت خلال تاريخها لأحداث عديدة اندثرت خلالها، لكن معالمها بقيت ثم أعيد حفرها قبل 400 عام تقريبًا لتعود للعطاء، وبواسطة تكنولوجيا السواني ظلت حتى عام 1373 هـ تمد المكان بالمياه.
قصر السموأل: أو ما يُعرف بالأبلق الفرد، ذو الشهرة الواسعة، الذي بناه عاديا الجد الأول للشاعر الأشهر السموأل، وجاء ذكره في كتابات عديدة، مثل ياقوت الحموي الذي يقول عنه “إنه على رابيه من تراب فيه آثار أبنيه من لبن لا تدل على ما يحكي عنها من العظمة والحصانة” أم الشاعر الأعشى فله قصيدة في وصف قصر الأبلق تقول: ( يُوَازِي كُبَيْدَاءَ السّمَاءِ وَدُونَه.. بَلاطٌ وَداراتٌ وَكِلْسٌ وَخَنْدَقُ) وفي البيت الثاني (لَهُ دَرْمَكٌ في رَأسِهِ وَمَشَارِبٌ.. وَمِسْكٌ وَرَيْحَانٌ وَرَاحٌ تُصَفَّقُ).
قصر البجيدي: أحد معالم الفترة الإسلامية المبكرة، والقصر عبارة عن شكل مربع له أبراج في زواياه، وتم الكشف عن بعض أجزائه التي تحمل جدرانه عدد من النصوص العربية التي توثق لفترته التاريخية
رجوم صعصع: على مساحة واسعة تصل إلى 27 كيلو متراً مربعاً, وهو حقل من المقابر الركامية المختلفة في أشكالها، ويعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وأدت أعمال التنقيبات في بعض هذه المدافن إلى معرفة التفاصيل البنائية وأنماطها المعمارية فيها.
جبل غنيم: على مسافة 10 كيلو مترات جنوب شرق المدينة في سلسلة جبال تمتد حول تيماء، وعليه نقوش تشير معظمها إلى رموز عقائدية قديمة، وكذلك العديد من الأعمدة المنصوبة والتلال.
صخرة تيماء
أعجوبة جيولوجية جنوب محافظة المحافظة، كأنها صخرة انشقت بالليزر أو بأدق المُعدات الحديثة، بعد نحو 245 كيلومترًا عن مدينة تبوك، تشمخ على قاعدتين مشطورتين، وترتفع عنها بطول 8 أمتار، في اعتزاز يبلغ عمره أكثر من 400 مليون سنة، تشهد عليه الرسومات الثمودية، والصخامة التي استرشد بها المسافرون قديمًا.
تُسمى بصخرة النصلة، وهذا على قولين: أن لقبها نسبة إلى الجبل القريب منها، أو أن جبل النصلة هو من نُسب إليها، وقد حيّرت الصخرة المشطورة الزائرين بشأن سر انشطارها، الذي اختلفت فيه الروايات على مدى تتابع الزمن.
يوضح الأستاذ بجامعة الملك سعود والمستشار الجيولوجي، الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله بن لعبون، أن عملية زحزحة بسيطة بين جانبي الصخرة هي التي أدّت إلى هذا الانشطار وفصلت الكتلتين، دون أن تسقط أيًا منهما، بينما ترى رواية أخرى أنها انشطرت بفعل البرق.
وكغيرها من المعالم التاريخية، نُسجت الحكايات الشعبية والكثير من الأقاويل عنها، ومن بين تلك الأساطير التي تداولها الخيال الشعبي، أن صخرة النصلة هي التي خرجت منها ناقة النبي صالح عليه السلام، وحكايات أخرى تروي أن الشاعر والفارس الأشهر عنترة بن شداد كان يربط فيها حصانه.
المحصّلة أن صخرة تيماء أو حصاة النصلة كما يحب أن يطلق عليها سكان المنطقة، سواء كان انشطارها مسببًا أم طبيعيًا دون أي تدخل، ستبقى مزارًا مهمًا لكل السائحين في محافظة تيماء، وشاهدة على الأهمية الحضارية وقدم التراث الوطني السعودي الذي يعود لآلاف السنين.
تصنيف أكثر 10 مدن يسكن فيها مليونيرات في العالم.. ماذا عن المدن العربية؟
ضمن الأكبر في العالم.. أبرز المعلومات عن مشروع حديقة الملك سلمان
تقرير أممي.. تراجع التنمية البشرية لأدنى مستوياتها منذ 3 عقود