مرت منصة “نتفليكس” الأمريكية بعدة محطات مثيرة للجدل خلال الأشهر الماضية؛ بسبب المحتوى الذي تطرحه للمشتركين في الشرق الأوسط.
إجراءات عربية ضد نتفليكس
ولهذا، أصدرت لجنة الإعلام الإلكتروني في مجلس التعاون الخليجي والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية، ومكتب تنظيم الإعلام في الإمارات، بيانًا مشتركًا للمطالبة بإزالة المحتوى “المخالف للقيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية”.
ولوّح البيان المشترك باتخاذ “الإجراءات القانونية” ضد الشبكة، إذا لم تلتزم بالتوجيهات، دون ذكر أي أعمال بعينها.
وينوي المجلس الأعلى لتنظيم شؤون الإعلام في مصر، إصدار قواعد تنظيمية وتراخيص لمنصات المحتوى الإلكتروني مثل “نتفليكس” و”ديزني” بحسب بيان المجلس.
وفي الوقت الذي تشهد فيه المنصة الأمريكية تراجعًا في أعداد المشتركين، يتوقع خبراء أن تؤتي الضغوط العربية أكلها.
ووفقاً لخبراء تحدثوا لـ”بلومبرغ”، فسيكون هناك فصل أول من المفاوضات مع المنصة، لـ”تهذيب” أعمالها وتنقيح مكتبتها بما يتناسب مع الثقافة العربية، أسوة بتجارب أخرى، فيما تتداخل عوامل عدّة أبرزها تراجع اشتراكات المنصة حالياً، في مدى قابليتها للاستجابة للضغوط من الجانب العربي.
المحتوى العربي من إنتاج نتفليكس
دشنت المنصة الأمريكية أول إنتاجها العربي وهو مسلسل “جن” الذي لاقى هجومًا بسبب محتواه في الأردن، ووصف بأنه “غير أخلاقي”، وواجه مسلسل “مدرسة الروابي للبنات” الانتقاد ذاته.
وتتضمن بعض أعمال نتفليكس الأصلية بشكل عام، تطبيعًا للعلاقات “المثلية” وهو ما يتنافى مع “القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية” في الوطن العربي.
مطلع عام 2022، طرح أول فيلم عربي من إنتاج نتفليكس، وهو فيلم “أصحاب ولا أعز”، الذي يعد نسخة معرّبة من الفيلم الإيطالي “Perfect Strangers”.
في الفيلم الأصلي، توجد شخصية “مثلية” وقد طرحت نفس الشخصية دون تغيير في النسخة العربية، الأمر الذي أثار انتقادات في بلدان عربية، وطالت موجة الغضب، أبطال العمل.
امتثال للقواعد
في عدة مناسبات، التزمت المنصة الأمريكية بالمعايير الثقافية، وأكبر مثال على هذا هو محاولة “نتفليكس” اقتحام السوق الهندي.
فرضت الحكومة الهندية العام الماضي، قواعد تلزم مزودي محتوى الفيديو بمعايير صارمة، أبرزها ضرورة تعيين ممثل محلي في الشركات العالمية؛ ليكون وسيط التعامل مع الشكاوى من الحكومة.
كما شملت الشروط إشراف لجنة حكومية، وإمكان توجيه اللوم أو المطالبة بالاعتذار أو إصدار أمر بحذف محتوى بعينه، وفقًا لـ “واشنطن بوست”.
وامتثلت المنصة لـ 7 طلبات إزالة لأعمال من الفلبين، وروسيا، وتركيا، وسنغافورة وفيتنام بحسب تقرير البيئة والمجتمع والحوكمة الخاص بـ “نتفليكس” لعام 2021.
وأكدت المنصة التي جددت وثيقة مبادئها أن “إدارة المنصة لن تقبل فرض أي رقابة على المحتوى”، لكنها استثنت من ذلك ما تلتزم به من قوانين الرقابة الحكومية.
سيناريوهات ما بعد الضغط العربي
في ظل تراجع اشتراكات منصة “نتفليكس” خلال الربع الأول من العام الجاري، بحوالي 200 ألف حساب، و970 ألفًا في الربع الثاني، وفق تقرير المنصة لحاملي الأسهم، تعد هذه المرة الأولى منذ 10 سنوات، التي تشهد فيها الشبكة تراجعًا في عدد المشتركين.
وترجع أسباب إلغاء المستخدمين لاشتراكاتهم، إلى الحملات الإلكترونية الغاضبة؛ لتحفظهم على المحتوى.
ويبلغ عدد المشتركين في أسواق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا 73 مليون مشترك، وتتعامل المنصة مع هذه السوق ككتلة واحدة، لتأتي في المرتبة الثانية بعد سوق الولايات المتحدة وكندا، بفارق ضئيل، فيما يبلع إجمالي المشتركين حول العالم 221 مليوناً.
يرى الناقد الفني طارق الشناوي، أن من حق كل دولة أن تطالب أي جهة بالامتثال لمعاييرها، مضيفًا في تصريحات لـ “بلومبرغ” أن “أي فيلم يستورد من الخارج للعرض محليًا، لا بد وأن يمر عبر الرقابة أولًا، الأمر ذاته يجب أن يطبق على منصات البث والامتثال لمعايير البلد التي تتيح خدماتها فيها”.
وتابع أن “تراجع الاشتراكات الذي تشهده نتفليكس، وضعف الإقبال على خدماتها عالميًا، من شأنه أن يسهم في زيادة قابليتها للتجاوب بقدر من المرونة على دعوات أجهزة تنظيم الإعلام العربية لحذف بعض المحتويات غير الملائمة من مكتباتها”.
ومن وجهة نظر الناقد الفني فإنه من الضروري “تفعيل الرقابة الذاتية، وأدوات التصنيف العمري، كحلول أكثر فاعلية في الأزمة الجارية مع المنصة”.
وتستبعد الناقدة الفنية خيرية البشلاوي، استجابة “نتفليكس” لمخاطبات بعض أجهزة تنظيم الإعلام العربية على نحو مرضي، مؤكدة أنه إذا ما حدثت استجابة، فستكون على حد تعبيرها “ترضية مُسيّسة الطابع”.
وذكرت: “تلك التحركات قفزة في الفراغ، ستنتهي بتخفيف وتنقيح بعض الأعمال، فيما لن يدوم أثرها طويلًا”.
وأشارت البشلاوي إلى أن تقييد أي محتوى يبث عبر الإنترنت لم يعد مجديًا، نظرًا لتعدد وسائل التحايل على التضييق.
حجب نتفليكس من المنطقة العربية
ويميل الناقد الفني رامي عبد الرازق، إلى استبعاد احتمالية استجابة “نتفليكس”، للمخاطبات العربية، مشيرًا إلى أن “سيناريو الاستجابة للضغوط مشروط بأن تكون تلك الضغوط ذات طابع اقتصادي، بخلاف ذلك يُستبعد أن يُثمر الحجب، أو التلويح به، الخضوع للملاحظات الثقافية لدول المنطقة”.
وتابع: “الحجب هو أكثر الخيارات تطرفًا وأصعبها في الوقت نفسه، الحجب ليس سهلًا، ودائمًا توجد وسائل لتجاوزه”، كما يتوقع أن يُجابه الحجب بسلوكيات تحايل عدة من جانب المستخدمين لمواصلة الحصول على الخدمة مثل الاستمرار في الاشتراك.
ويرى أن “المُطالبة الأساسية التي يجدر إلزام نتفليكس بها، هي التنويه الواضح قبل العرض بشأن أنماط المحتوى الجدلي المختلفة التي يحتوي عليها العمل، ليأتي دور المستخدم الواعي في الاختيار”.
أجندة نتفليكس
أشاد خبير الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، برد الفعل العربي تجاه المنصة، متوقعًا أن “تشهد الفترة المقبلة حالة من الشد والجذب بين الهيئات المنظِمة بالدول العربية ونتفليكس في صيغة مفاوضات”.
ولفت إلى أن “سيناريوهات الحذف امتثالًا للمعايير المحلية، ليس ببعيد عن تجربة نتفليكس، فكما امتثلت وخضعت للقواعد في دول أخرى، يمكنها الامتثال لثقافة المنطقة العربية”.
وأكد البرماوي أن “استجابة نتفليكس في تلك الأزمة، بقدر من المرونة والتفهم لطبيعة الجمهور، سينفي مزاعم امتلاكها أجندة بعينها، وتكريس محتواها للتوجيه بفرض هويات محددة”.
تفوقت على نتفليكس.. ملايين العملاء والاشتراكات سترتفع في هذه الخدمة