تمتلك منطقة عسير السعودية مجموعة من القصور الأثرية، التي تعتبر من أهم المواقع الشاهدة على زمن مضى وتاريخ عريق، بل تجاوزت ذلك فالآن يقصدها الناس لأجل المتعة البصرية أو الدراسة العلمية من قبل الباحثين والمهتمين، وأصبحت من أهم مواقع الجذب السياحي لجميع فئات المجتمع في المنطقة خلال العام الجاري.
تاريخ يتجاوز الـ 200 سنة
يأتي ذلك بفضل عمليات الترميم والتأهيل لمجموعة كبيرة من الحصون الأثرية، التي يعود بعضها إلى أكثر من 200 سنة في تصدرها المشهد السياحي، بعد أن أضاف لها هذا الترميم أبعاداً جاذبة أخرى مثل المقاهي العصرية التي تقدم المشروبات الساخنة والباردة في إحدى غرف أو زوايا القصر الأثري في مزج جاذب مع الماضي بكل جمالياته المعمارية، إضافة إلى النزل التراثية التي تتوزع في جنبات القصور من خلال غرف للإقامة اليومية تم تأثيثها بالمكونات التقليدية المستخدمة قديماً.
وشهد الصيف الجاري بروز عدة حصون أثرية قام الأهالي بترميمها بهدف استقبال السياح والزوار، مثل قصور “آل أبونقطة المحتمي” في مركز “طبب” شمال غرب مدينة أبها على مسافة ٢٥كم تقريباً، وقصور “آل أبو سراح” في قرية” العزيزة” التابعة لمركز السودة، إضافة إلى قصر “لهج” الواقع في قرية “الدارة” بأبها.
تعززي السياحة الثقافية
ومن جانبه قال “سعيد بن سعود المتحمي”، رئيس مجلس إدارة مركز آل أبو نقطة المتحمي، إن فكرة ترميم وتأهيل القصور الأثرية جاءت بناء على التوجهات الجديدة لدعم السياحة الثقافية في المملكة لما تملكه من إرث تاريخي عريق تدل عليه بوضوح جماليات وهندسة القصور القديمة في منطقة عسير.
وأضاف “المتحمي”، في حديثه لـ “واس”، أن مثل هذه الأماكن العريقة تحتوي على مخزون ثقافي يستحق أن تعرفه الأجيال الجديدة، لتشعر بعمق هذه الثقافة والتاريخ الذي كون الوحدة الوطنية التي يفخر بها الجميع.
وتتكون القصور من ستة مواقع مختلفة الأحجام والارتفاعات على مساحة تقارب 4000 متر مربع، ويوجد داخل هذه الحصون، وداخل أسوارها الداخلية عدد من المدافن متنوعة الأحجام والأعماق، ويتراوح عمقها ما بين مترين وثلاثة أمتار وعرضها بين ستة وخمسة عشر متراً مربعاً كانت تستخدم لدفن المحاصيل الزراعية للمحافظة عليها وتخزينها لسنين طويلة لاستخدامها في سنين الجدب، وفي سنين الحروب والخوف، واستخدمت بحكم أهمية المكان كذلك لإخفاء الذخائر أثناء المواجهات والحروب.
مردود اقتصادي واعد
وأوضح “المتحمي” أن الجهد الكبير المبذول في إعادة تأهيل هذه القصور وغيرها سيكون له مرود اقتصادي جيد مع مرور الوقت، وقال “بدأنا نلمس الأثر الاقتصادي على المجتمع لمثل هذه المشروعات السياحية التي تعتمد على المخزون الثقافي، حيث يشاركنا في استثمار المكان عدد من الأسر المنتجة”.
تتضمن قصور آل أبونقطة المتحمي على نزل تراثية تمزج بين متطلبات العصر وهوية المكان ومواقع لبيع المنتجات التراثية مثل الملابس التقليدية ومخبز بلدي يقدم مأكولات شعبية إضافة إلى مقهى شعبي وآخر أجنبي يقدمان المشروبات الساخنة والباردة.
وحرص القائمون على مشروع القصور على تسمية المواقع التي يرتادها الزائر بأسماء من عبق المكان مثل أسماء الخيول والسيوف والرماح التي اقتناها أجدادهم.
إقبال من مختلف الأعمار
قصور “آل أبوسراح”، تعتبر أيضًا واحدة من أهم الوجهات السياحية التراثية في منطقة عسير، حيث تقع إلى الغرب من مدينة أبها وتتوسط ” قرية “العزيزة” المحاذية لمرتفعات السودة، ويتجاوز عمرها الـ” 200 عام” وتتميز بمبانيها الجميلة العالية، وهي عبارة عن ثلاثة مبانٍ، قصر وازع، وقصر عزيز، وحصن المصلى، ويتكون كل من قصر عزيز وقصر وازع من ستة طوابق، وحصن المصلى من ثلاثة طوابق مبنية من الحجر وخشب العرعر ومغطاة بمادة القضاض من الخارج.
ويقول المشرف على الموقع عبدالعزيز أبوسراح في حديث لـ”واس” إن مثل هذه القصور وغيرها الكثير التي تزخر بها منطقة عسير تعتبر شواهد على حضارة المكان وأهميتها في أنها تحكي للأجيال الحالية بعضاً من ثقافة وفنون أهالي المنطقة قديماً.
وأشار إلى أن هناك شغفاً وإقبالاً كبيراً من جميع فئات المجتمع على زيارة الحصون التراثية لأنهم يجدون فيها رسائل ثقافية كثيرة جاذبة لهم.
هذه الحصون والقصور الرائعة، أصبحت جاذبة لكل فئات المجتمع من الأطفال والشباب وكبار السن (من الجنسين)، فالأطفال والشباب يقفون مشدوهين أمام ما يرونه ويسمعونه عن تاريخ وتراث الأجداد، وعدد من كبار السن يشرحون لأبنائهم وأحفادهم طرق البناء التقليدي وأسماء المواد المستخدمة في الحياة اليومية بكل سعادة وانشراح وبعضهم ينهي شرحه بدموع تترقرق في عينيه عندما يتذكر ماضيه.
تأهيل وترميم الحصون والقصور التاريخية، تتطلب العديد من المهارات الخاصة، بجانب الدراية الدقيقة بآليات وطرق البناء التقليدية، إذ يؤكد “المتحمي” أهمية أن يكون الترميم مواكباً لقيمة المكان حتى لا يتحول إلى تشوه بصري، مبينًا أن إدخال المظاهر الحديثة قد يكون في مكونات المطاعم والمقاهي مثلاً، ولكن الترميم ومواد البناء يجب أن تكون تقليدية ومن عناصر البيئة المحيطة دون إدخال أي عنصر حديث، وذلك من خلال إشراف خبراء بناء من أهل المكان.
رؤية 2030 شجعت الشباب
أما الشاب عبدالعزيز مخافة فيخوض تجربة جديدة في الاستثمار التراثي من خلال حصن “لهج” الواقع في في إحدى قرى مدينة أبها، والمكون أربعة أدوار، مشيراً إلى أن الموقع بدأ في استقبال الزوار منذ العام الماضي، حيث تتوافر للزائر أجواء الماضي بكل تفاصيله، بداية من المبيت في نزل تراثية والطعام المقدم الذي يقتصر على الأكلات الشعبية، حيث يشهد المكان إقبالاً جيداً فاق توقعاته.
ويقول “مخافة” إن أكثر ما شجعه على هذه الخطوة هي مبادرات رؤية المملكة 2030 التي تركز على استثمار المقومات التراثية والثقافية في الجذب السياحي” بشرط أن يكون الترميم والتأهيل على أسس علمية صحيحة.
يذكر أن المملكة تضم العديد من المواقع الأثرية التي تتميز بعمق تاريخي جاذب وجديد بالنسبة لعشاق السياحة الثقافية وزيارة المواقع الأثرية، فوفقًا لآخر إحصائية لهيئة التراث تمتلك منطقة عسير 4275 قرية تراثية، يتجاوز عمر بعضها 500 عام، إضافة إلى تسجيل 651 موقعاً أثرياً في السجل الوطني لآثار احتوت على أحجار ونقوش ورسومات يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام.
تجمع بين المتعة والأشباح.. وجهات سياحية مرعبة