سياسة

سيمون بوليفار.. محرر أمريكا اللاتينية من السطوة الإسبانية

تقام الاحتفالات كل عام في الـ 24 من يوليو كل عام، بمناسبة يوم سيمون بوليفار، وهو يوم مولد الرجل الذي حرر العديد من دول أمريكا اللاتينية من سطوة الحكم الإسباني، ويعد هذا اليوم عطلة رسمية في كل من كولومبيا وفنزويلا والإكوادور وبوليفيا.

من هو محرر أمريكا اللاتينية؟

ولد بوليفار، وهو ابن أرستقراطي فنزويلي من أصل إسباني، في عام 1783، وتوفي والده عندما كان في الثالثة من عمره، وتوفيت والدته بعد ذلك بست سنوات، أدار عمه ميراثه من الثروة، وأرسله في سن الـ 16، إلى أوروبا لإكمال تعليمه.

عاش في إسبانيا وتزوج ابنة أحد النبلاء هناك، وعادت معه إلى كاراكاس، قبل أن تنال منها الحمى الصفراء، وتفارق الحياة شابة بعد أقل من عام على زواجهما، واعتقد بوليفار أن موتها المأساوي كان السبب وراء عمله في السياسة.

رحلة التعلم

في عام 1804، عندما كان نابليون الأول يقترب من ذروة مسيرته، ومع عودة بوليفار إلى أوروبا، انغمس خلال إقامته في باريس، وبتوجيه متجدد من صديقه ومعلمه رودريغيز، في كتابات المفكرين العقلانيين الأوروبيين مثل فولتير وجون لوك وتوماس هوبز وجورج لويس لوكلير وكونت دي بوفون وجان لو روند دالمبيرت ومونتسكيو، وروسو.

كان للاثنين الأخيرين التأثير الأعمق على حياته السياسية، لكن فولتير صبغ فلسفته في الحياة، كما التقى بالعالم الألماني ألكسندر فون همبولت، الذي كان قد عاد من رحلته عبر أمريكا اللاتينية وأخبر بوليفار أنه يعتقد أن المستعمرات الإسبانية جاهزة للاستقلال.

تجذرت هذه الفكرة في خيال بوليفار، وفي رحلة إلى روما مع رودريغيز، حيث وقفوا على مرتفعات مونتي ساكرو، تعهد له بتحرير بلاده.

فكرة المحرر

أثرت تجربة نابليون وتتويجه إمبراطورًا على فرنسا عام 1804 في بوليفار، الذي كان متحيرًا بين الإعجاب بإنجازات رجل واحد، والاشمئزاز من خيانة نابليون لمُثُل الثورة الفرنسية.

كانت الرغبة في المجد إحدى السمات الدائمة في شخصية بوليفار، ولا شك في أن نابليون قد حفزها، لكن مثال نابليون كان تحذيرًا استجاب له بوليفار، وفي أيامه الأخيرة، أصر دائمًا على أن لقب “المحرر” أعلى من أي لقب آخر، وأنه لن يستبدله بلقب ملك أو إمبراطور، ثم في عام 1807 عاد إلى فنزويلا عن طريق الولايات المتحدة، وزار المدن الشرقية.

حركة الاستقلال

انطلقت حركة استقلال أمريكا اللاتينية بعد عام من عودة بوليفار، حيث أدى غزو نابليون لإسبانيا إلى زعزعة السلطة الاستعمارية، كما فشل نابليون تمامًا في محاولته لكسب دعم المستعمرات الإسبانية، التي ادعت الحق في ترشيح مسؤوليها.

اقتداءً بالبلد الأم إسبانيا، فقد رغبوا في إنشاء المجالس العسكرية للحكم باسم الملك الإسباني المخلوع، لكن رأى العديد من المستوطنين الإسبان في تلك الأحداث فرصة لقطع علاقاتهم مع إسبانيا، وشارك بوليفار نفسه في اجتماعات تآمرية مختلفة، وفي 19 أبريل 1810، حُرم الحاكم الإسباني رسميًا من سلطاته وطُرد من فنزويلا.

تولى المجلس العسكري زمام الأمور، وسعى للحصول على الدعم الإنجليزي، فأرسل بوليفار في مهمة إلى لندن، ليشرح لإنجلترا محنة الاستعمار، والحصول على اعتراف بحركة الاستقلال، والحصول على السلاح والدعم.

على الرغم من أنه فشل في مفاوضاته الرسمية، إلا أن إتقانه للغة الإنجليزية كان مثمرًا من نواحٍ أخرى، حيث أتاحت له فرصة دراسة مؤسسات المملكة المتحدة التي ظلت بالنسبة له نماذج للحكمة السياسية والاستقرار.

والأهم من ذلك أنه رعى قضية الثورة من خلال إقناع الفنزويلي المنفي فرانسيسكو دي ميراندا، الذي حاول في عام 1806 تحرير بلاده بمفرده، ليعود إلى كاراكاس ويتولى قيادة حركة الاستقلال.

استقلال فنزويلا

كانت فنزويلا في حالة غليان، واجتمع المؤتمر الوطني في كاراكاس لصياغة دستور في مارس 1811، وأقحم بوليفار نفسه في النقاش الذي أثار البلاد، وقال في أول خطاب عام في حياته المهنية: “دعونا نضع حجر الأساس للحرية الأمريكية دون خوف، التردد هو الهلاك”.

بعد مداولات طويلة، أعلن المجلس الوطني استقلال فنزويلا في 5 يوليو 1811، ودخل بوليفار الآن جيش الجمهورية الفتية، التي كان قائدها العام ميراندا، وتولى مسؤولية ميناء Puerto Cabello، على البحر الكاريبي غرب كاراكاس الذي كان حيويًا لفنزويلا.

بعد وقت قصير من اجتماع لندن، انفصل ميراندا وبوليفار عن بعضهما البعض، ووصف ميراندا بوليفار بأنه “شاب خطير”، وكان لدى الأخير مخاوف بشأن قدرات الجنرال المتقدم في السن.

أفضت عملية خيانة قام بها أحد ضباط بوليفار إلى اقتحام القوات الإسبانية للبلاد، ودخل ميراندا، القائد الأعلى آنذاك، في مفاوضات مع القائد العام الإسباني، وتم التوقيع على هدنة (يوليو 1812) جعلت البلاد بأكملها تحت رحمة إسبانيا.

العودة للنضال

عقد بوليفار العزم على مواصلة النضال، وحصل على جواز سفر لمغادرة البلاد وذهب إلى قرطاجنة في غرناطة الجديدة، وهناك نشر أول تصريحاته السياسية العظيمة، المعروف ببيان قرطاجنة، الذي أرجع فيه سبب سقوط جمهورية فنزويلا الأولى إلى عدم وجود حكومة قوية، داعيًا إلى جهد ثوري موحد لتقويض سلطة إسبانيا في الأمريكتين.

بدعم من الوطنيين في غرناطة الجديدة، قاد بوليفار قوة استكشافية لاستعادة فنزويلا، وفي حملة كاسحة، هزم الملكيين في 6 معارك ضارية استكاع على إثرها دخول كاراكاس في 6 أغسطس 1813، ونال لقب المحرر.

كانت حرب الاستقلال قد بدأت للتو، إذ عارضت غالبية الشعب الفنزويلي قوى الاستقلال وضاقت من التضحيات، فاندلعت حربًا أهلية قاسية، ولجأ بوليفار نفسه إلى إجراءات متطرفة، مثل إطلاق النار على السجناء.

في عام 1814 هُزم بوليفار مرة أخرى على يد الإسبان، فهرب بصعوبة من المصير الذي عاشه ميراندا، وفر إلى غرناطة الجديدة، حيث تم تكليفه في قرطاجنة بطرد فصيل انفصالي من بوغوتا، ونجح في ذلك، ثم حاصر قرطاجنة لكنه فشل في توحيد القوى الثورية وفر إلى جامايكا.

بوليفار في المنفى

في المنفى، وجه بوليفار طاقاته نحو الحصول على دعم من بريطانيا العظمى، وفي محاولة لإقناع الشعب البريطاني بحق الحرية للمستعمرات الإسبانية، كتب أعظم وثيقة في حياته المهنية “رسالة من جامايكا” والتي كتب فيها: “الروابط التي وحدتنا بإسبانيا قطعت” موضحًا: “الشعب الذي يحب الحرية سيكون حرًا في النهاية”.

تحرير غرناطة الجديدة

في عام 1817، قرر بوليفار إنشاء مقر في منطقة نهر أورينوكو، التي لم تدمرها الحرب والتي لم يستطع الإسبان طرده منها بسهولة، بعد ثلاث سنوات من الهزائم والانتصارات غير الحاسمة.

استعان بخدمات عدة آلاف من الجنود والضباط الأجانب، ومعظمهم من البريطانيين والأيرلنديين، وأسس عاصمته في أنجوستورا، الآن سيوداد بوليفار، ثم أنشأ صحيفة وأقام علاقات مع القوى الثورية في السهول، بما في ذلك مجموعة واحدة بقيادة خوسيه أنطونيو بايز، ومجموعة أخرى بقيادة فرانسيسكو دي باولا سانتاندير، وفي ربيع عام 1819 وضع خطته الرئيسية لمهاجمة نائب الملك في غرناطة الجديدة.

يعتبر هجوم بوليفار على غرناطة الجديدة أحد أكثر الهجمات جرأة في التاريخ العسكري، حيث قاد هجومًا بجيش قوامه نحو 2500 رجل، يمرون عبر السهول في موسم الأمطار، سائرين 7 أيام في الماء الذي غمرهم حتى الخصر.

تفاجأ الإسبان بالهجوم، واستسلم الجزء الأكبر من الجيش الملكي، وبعد ثلاثة أيام دخل بوليفار بوغوتا، وكان هذا العمل نقطة تحول في تاريخ شمال أمريكا الجنوبية.

بوليفار رئيسًا

أصبح بوليفار رئيسًا وديكتاتورًا عسكريًا، وحث المشرعين على إعلان إنشاء دولة جديدة، وبعد ثلاثة أيام، تم إنشاء جمهورية كولومبيا، وتضم المقاطعات الثلاثة لغرناطة الجديدة “الآن دول كولومبيا وبنما وفنزويلا وكيتو التي سميت الإكوادور “.

نظرًا لأن معظم تلك الأراضي كانت لا تزال تحت سيطرة الإسبان، فقد كان ذلك إنجازًا على الورق، وعلم بوليفار أن النصر أصبح أخيرًا في متناول يده.

وفي أوائل عام 1820، أجبرت ثورة في إسبانيا، الملك فرديناند السابع، على الاعتراف بمُثُل الليبرالية على الجبهة الداخلية، وهو إجراء أحبط القوات الإسبانية في أمريكا الجنوبية.

أقنع بوليفار موريللو بعقد مفاوضات الهدنة، والتقى المحاربان في لقاء لا يُنسى في سانتا آنا، فنزويلا، ووقعوا في نوفمبر 1820 معاهدة أنهت الأعمال العدائية لمدة ستة أشهر.

تحرير دول أمريكا

عندما استؤنف القتال، وجد بوليفار أنه من السهل، بقوته البشرية المتفوقة، هزيمة القوات الإسبانية في فنزويلا، وفتحت معركة كارابوبو في يونيو 1821 أبواب كاراكاس أمامه.

استمرت الجهود لتحرير الإكوادور نحو عام، وتحقق الأمر في 24 مايو 1822، وفي 26 يوليو التقى بوليفار والثوري الأرجنتيني خوسيه دي سان مارتين في ميناء مدينة غواياكيل، وانتهت الأمور باستقالة سان مارتين، وذهب إلى المنفى، مما سمح لبوليفار بتولي القيادة.

في سبتمبر 1823 وصل بوليفار إلى ليما، وهزم القوات الإسبانية، وفي 9 ديسمبر 1824، خسر نائب الملك الإسباني معركة أياكوتشو لصالح بوليفار واستسلم مع جيشه بالكامل.

وفارق بوليفار الحياة في أواخر عام 1830 بسبب مرض السل، عن عمر يناهز 47 عامًا.

رؤساء في أمريكا اللاتينية أصولهم عربية

صور.. بركان بجزيرة لا بالما الإسبانية ينفث حمماً في السماء

في مثل هذا اليوم.. حريق روما الكبير وتوقيع اتفاقية إعادة توحيد ألمانيا

المصادر :

BBC /