سياسة

هنري كيسنجر.. كيف يرى عراب السياسة الأمريكية الأزمة في أوكرانيا؟

هنري كسينجر

يحتفل اليوم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بيوم ميلاده التاسع والتسعين، ورغم تقدمه في العمر، لا يزال “كيسنجر” الذي لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية خلال الحرب الباردة، يحمل عقلًا متوقدًا يساعده في إبداء آرائه السياسية التي تقابل بكثير من الحفاوة.

في هذا التقرير نستعرض معًا رؤية كيسنجر للأزمة في أوكرانيا، تحليله لشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورأيه في كيفية إنهاء هذا الصراع..

قبل سنوات كان كسينجر يملك حلًا! 

عام 2014 حين غزت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها لسيادتها، كتب كيسنجر مطالبا إدارة الرئيس باراك أوباما بضبط النفس، مشيرًا إلى أن المواجهة المباشرة مع روسيا ليست في مصلحة الولايات المتحدة، وأن القيمة الإستراتيجية لأوكرانيا محدودة.

وعوضًا عن الصراع مع روسيا حول أوكرانيا -في ذلك الوقت- اقترح كيسنجر على أوكرانيا إن كانت تريد الاستمرار والازدهار، ألا تكون موقعا متقدما لأي من الجانبين ضد الآخر، الغرب أو روسيا، بل يجب أن تعمل كجسر بينهما. 

في الوقت ذاته وفي نفس المقال، طلب “كيسنجر” من الدول الغربية “أن تدرك أن أوكرانيا في نظر روسيا لا يمكن أبدا أن تكون مجرد دولة أجنبية عادية” 

كما انتقد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق -في الوقت ذاته- “شيطنة” الغرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين معتبرًا أن هذا الأمر لا يعد فعلا سياسيًا. 

وفي سبيل حل المعضلة الأوكرانية، التي توقع كسينجر قبل 8 سنوات من اليوم أن تتفاقم ما لم يتم حلها، اقترح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق 4 مبادئ، يمكن بواسطتها احتواء الأزمة:

أولا: أن يكون لأوكرانيا حرية اختيار توجهاتها الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك السعي للانضمام للاتحاد الأوربي.

ثانيا: ألا تمنح أوكرانيا حق الانضمام إلى حلف الناتو على الإطلاق.

ثالثا: أن تتبع أوكرانيا نموذج فنلندا الحيادي الذي تقترب فيه من الغرب في كل المجالات، لكنها تتجنب بعناية استعداء روسيا.

رابعا: أن تقرّ روسيا بسيادة أوكرانيا على جزيرة القرم مع تمتعها وتمتع أسطولها بوضع خاص في قاعدة سيفاستوبول البحرية.

وأقرّ كيسنجر أن رؤيته هذه ما هي إلا مجموعة مبادئ عامة لن ترضي أيا من أطراف الأزمة، لكنها قد تعكس رضاء متوازنا بينهم.

 

بوتين في ميزان كيسنجر

ما بين عام 2014 حين اقترح كيسنجر حله، وعام 2022 حين قامت روسيا بغزو أوكرانيا، لم يتغير شيء، ظل كل جانب متمسك بسياسته، ولم يضع أحد مقترح كيسنجر موضع المناقشة أو التنفيذ، لكن وحين اندلعت الحرب كان لدى كسينجر جديدًا يريد أن يقوله

ففي إطار تحليله لشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره صاحب قرار الحرب، لفت السياسي المخضرم إلى أنه كان يقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كطالب في الشؤون الدولية، مرة واحدة في السنة لمدة 15 عاماً تقريباً، لإجراء مناقشات استراتيجية أكاديمية بحتة. وقال، “ظننت أن معتقداته الأساسية كانت نوعاً من الإيمان الصوفي بالتاريخ الروسي، وأنه شعر بالإهانة، بهذا المعنى، ليس بسبب أي شيء محدد فعلناه في البداية، ولكن بسبب هذه الفجوة الهائلة التي تكونت مع أوروبا والشرق”.

وأضاف: “لقد شعر بوتين بالإهانة والخطر لأن روسيا كانت مهددة بأن تتماهى هذه المنطقة بأكملها في (الناتو)، ليس هذا عذراً ولم أكن لأتوقع هجوماً بحجم الاستيلاء على دولة معترف بها”

ورغم ما ذهب إليه من أمر شعور بوتين بالإهانة، ما دفعه لاتخاذ قرار الحرب، إلا أن “كيسنجر” يرى أن “بوتين أخطأ في تقدير الموقف الذي واجهه دولياً، ومن الواضح أنه أخطأ في تقدير قدرات روسيا على الاستمرار في مثل هذا المشروع الكبير”

متى سيتوقف بوتين؟ 

يعتقد كيسنجر إن الرئيس الروسي سيتوقف عن الحرب فقط حين يدرك أن الحرب تقضي فعليًا على أي فرصة لبقاء روسيا قوة عظمى في المستقبل.

وقال الوزير الأمريكي الذي خدم تحت إدارتي الرئيسين الأميركيين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد في سبعينيات القرن الماضي “إن روسيا ستواصل القتال في أوكرانيا حتى يلتهم الصراع الكثير من قدراتها العسكرية ومواردها لدرجة مخاطرة الدولة بفقدان مكانتها كقوة عظمى”.

تحذير لأمريكا وأوروبا! 

وعن رؤيته لما بعد الحرب، حذر السياسي الأمريكي صاحب الباع الطويل، من المجازفة بدفع روسيا والصين إلى الدخول في تحالف دائم، قائلًا: “أنه من غير الحكمة اتخاذ موقف معاد لخصمين بطريقة تقربهما من بعضهما، يجب ألا نضع روسيا والصين معاً كعنصر متكامل”.

وأشار كيسنجر لأهمية روسيا بالنسبة لأوروبا بقوله: “روسيا كانت جزءًا أساسيا من أوروبا على مدى 400 عام، كما كانت الضامن لتوازن القوة في أوروبا في الأوقات الحرجة. ولا ينبغي أن تغيب تلك العلاقة طويلة الأمد عن أذهان القادة الأوروبيين”

متى يجب للحرب أن تنتهي؟

وعن رؤيته للموعد الأمثل لنهاية الحرب قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في تصريحات أثناء مناقشة افتراضية جرت هذا الأسبوع مع مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي ورئيسه كلاوس شواب كجزء من الاجتماع السنوي للمنظمة في دافوس “إن التحرك نحو مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا يجب أن يبدأ في غضون الشهرين المقبلين أو نحو ذلك، مضيفا أنه يجب تحديد نتيجة الحرب قبل أن تخلق اضطرابات وتوترات يصعب التغلب عليها”.