كان شاه إيران محمد رضا بهلوي، في علياء سلطته ينظم أعظم وأغلى حفل في التاريخ اعتزازاً بجذوره الفارسية، ويسعى لتحويل بلده، إلى دولة صناعية حالماً بأن تصبح خامس قوة عظمى في العال بحلول العام 2000، لكنه آثر تحييد النخبة وأحاط نفسه بحكومة تكنوقراط – أكثر ولاءً لنظامه – مما عزّز من قبضته البوليسية؛ فانتهى به الحال إلى الارتحال بين المنافي، باحثاً عن ملاذ آمن، وقبر يلملم جسد “عزيز قوم ذل”.
كيف حكم إيران 38 عاماً؟ وكيف أسقطه عدوه الماكر المتعطش للسلطة والدماء؟!
ولد شاه إيران محمد رضا بهلوي، في 26 أكتوبر عام 1919م، بالعاصمة الإيرانية طهران، فهو الابن الأكبر لرضا شاه، مؤسس سلالة بهلوي في عام 1925. تلقى تعليمه في مدارس سويسرا، قبل أن يعود لإيران عام 1935م، محملاً بأرتال من الفكر الغربي والرغبة في دخول عالم الصناعة.
وأصبح وريثاً لعرش إيران، في 16 سبتمبر عام 1941، بعدما احتلت بريطانيا والاتحاد السوفييتي السابق البلاد، إثر محاولة والده رضا بهلوي التعاون مع ألمانيا النازية وتزويدها بالنفط خلال الحرب العالمية، فانتهى الأمر بنفيه إلى جنوب أفريقيا وتسليم السلطة إلى ابنه محمد، الذي أبدى ولاءه للقوى الغربية.
اتصف حكم الشاه الابن، بالتفرد في السلطة والانفتاح على الغرب، مع العمل على تحييد ما كان يراه خطراً داهماً للحركات اليسارية وشهوة رجال الدين للسلطة وعلى رأسهم المرجع الديني في ذلك الوقت آية الله الخميني، الذي تنبه الشاه لخطورته مبكراً فنفاه إلى تركيا عام 1963م.
صراع سياسي
بحلول مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، بزغ نجم السياسي الإيراني الراحل محمد مصدق، مما أدى لنشوب صراع سياسي ضارٍ بينه وبين شاه إيران، وتحديداً بعدما تمكن مصدق من دفع أعضاء البرلمان الإيراني حينذاك إلى تبني مشروع قانون جديد يهدف لتأميم ثروة البلاد النفطية لإخراجها من تحت الهيمنة البريطانية.
ومع تعاظم مكانة مصدق في المجتمع الإيراني، اضطر الشاه على مضضٍ لتعيينه رئيساً للوزراء في أبريل عام 1951م، لكن رئاسته لم تخلو من صراع وتوترات بلغت إلى حد محاولة الشاه إقالته في عام 1953م، وهي الخطوة التي أدت لغضب شعبي عارم انتهى بإجبار الشاه على الخروج من إيران، لكنه سرعان ما عاد مرة أخرى للسلطة بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية والضغط المضاد من قبل أنصار الشاه في الشارع الإيراني.
وشرع الشاه بعد عودته في تنفيذ برنامج إصلاحي عُرف باسم “الثورة البيضاء” عام 1963م، اعتمد فيها على مساعدة واشنطن، من أجل محاولة تحديث الدولة الإيرانية بتطوير التعليم ومحو الأمية والصحة وتقوية البنية التحتية والسكك الحديدية وبناء العديد من السدود والمطارات وتعزيز التنمية الصناعية.
لا للتغريب
على الرغم مما حققته ثورة الشاه البيضاء، من شعبية له في المجتمع الإيراني؛ بدأت تتحول في أواخر الستينيات إلى غمامة سوداء، لأسباب عدة، كان أبرزها توجه الشاه إلى انتهاج سياسة خارجية تسعى للخروج عن عباءة الغرب، بالتزامن مع إقدامه على تعزيز علاقاته مع الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية؛ مما جلب عليه سخط حلفائه الغربيين.
وامتزج الغضب الغربي ضد الشاه، مع معارضة الطبقة الدينية بقيادة الخميني، التي رأت في إصلاحاته غرقاً في التغريب ومخالفةً للإسلام، بالإضافة إلى معارضة الطبقة المهمشة من الفقراء ومثقفي الجامعات والتي كانت تشعر بأن إصلاحات الشاه لم تكن كافية اجتماعياً وسياسياً، واعتبرت حكمه استبدادياً قائم على الفساد والقمع الذي كان دائما ما يشار إليه بجهاز “السافاك” أو “الشرطة السرية” حينذاك.
أدى مزيج معارضة الشاه داخلياً وخارجياً، إلى توسيع حلقة الاحتجاجات ضده عام 1978م، وتحديداً في ساحات الجامعات وبين تجار البازار والطبقات الفقيرة، وفي مقابل ذلك كانت تتشعب شعبية الخميني، عبر أشرطة الكاسيت التي كان يوزعها ليعد فيها الإيرانيين بالحرية وعدالة توزيع الثروة، مما أدى إلى إسقاط 3 حكومات متعاقبة للشاه في تلك الفترة دون جدوى في تهدئة الشارع المشتعل.
وفي فبراير عام 1979، تحولت الاحتجاجات إلى ثورة عارمة يقودها الخميني العدو الماكر اللدود للشاه، والمتعطش للسلطة والدماء، في مقابل أن الشاه المريض حينذاك بالسرطان لم تكن لديه الجرأة لمواجهة الغضب، فيما تخلى عنه حلفاؤه، ففضل حقن الدماء ومغادرة البلاد.
وبينما كان الشاه المُحمَّل بأطياف الأسى، يغادر مع أسرته على متن طائرة إيرانية، كانت أخرى فرنسية تستعد لتقل الخميني، إلى طهران، لتبدأ معه مرحلة جديدة في البلاد، لم يكن يتخيلها أحد تحت مسمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
غربة المنفى
دخل الشاه المريض بالسرطان، في دوامة من الارتحال بين المنافي، شملت مصر والمغرب وجزر البهاما والمكسيك، وصولاً إلى الولايات المتحدة في أكتوبر عام 1979م، حيث سافر إليها لتلقي العلاج من سرطان الغدد الليمفاوية، لكن هذه الخطوة دفعت نظام الخميني للإيعاز لأتباعه باقتحام السفارة الأمريكية في طهران، واحتجاز أكثر من 50 أمريكيًا كرهائن في أطول عملية احتجاز رهائن بالتاريخ، ظلت لـ 444 يوماً بين 4 نوفمبر 1979 – 20 يناير 1981.
وغادر شاه إيران محمد رضا بهلوي، أمريكا فيما بعد إلى بنما ومنها إلى مصر، حيث توفي في 27 يونيو عام 1980م، عن عمر ناهز الـ60 عاماً، حيث أقام له الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات جنازة عسكرية تكريماً لدوره في مساعدة مصر إبان حرب أكتوبر عام 1973، وجرى دفنه في مسجد الرفاعي في القاهرة.
هيثم المختار.. «صانع قنابل» أفكاره الإرهابية قادته إلى حتفه
سعودي يبتكر فكرة لتخزين مياه الأمطار باستخدام الصخور في “الباحة”
قصة شقيقين سعوديين.. من «رغد العيش» إلى الهلاك في سبيل «داعش»