تتصدر بقايا الطعام والمخلفات الخضراء محتويات صناديق القمامة حول العالم، وتفتح باب التساؤل عن مصير نفايات البشرية في المستقبل.
حيث تصاعدت في السنوات الأخيرة التحذيرات من أزمة نفايات متفاقمة، تكشف عنها الأرقام الصادمة التي وردت في دراسة حديثة للبنك الدولي، أُعيد عرضها بصريًا عبر تطبيق «Voronoi» في أبريل 2025. وتوضح هذه البيانات أن ما يقرب من نصف نفايات العالم تأتي من مصدر غير متوقع: المواد العضوية.
ماذا تضع البشرية في صناديق قمامتها؟
تشير التقديرات إلى أن 44% من إجمالي النفايات الصلبة في العالم تتكوّن من بقايا الطعام والمخلفات النباتية. يلي ذلك الورق والكرتون بنسبة 17%، والبلاستيك بنسبة 12%، بينما تُسجَّل نسب أقل للزجاج (5%) والمعادن (4%) والمطاط والخشب (بنسبة 2% لكل منهما)، فيما تندرج 14% من النفايات ضمن تصنيفات أخرى.
هذه النسب لا تعكس فقط عادات الاستهلاك، بل تكشف أيضًا عن مستوى التقدم في إدارة النفايات وإعادة التدوير، إذ إن النفايات العضوية، رغم كونها قابلة للتحلل، ما تزال تُهدر في مكبات نائية أو تُحرق بلا جدوى بيئية.
لماذا تزداد النفايات بهذه السرعة؟ وأين تتركز؟
يعيش على كوكب الأرض أكثر من 8 مليارات إنسان، ينتجون معًا كمية هائلة من القمامة. وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن حجم النفايات السنوي سيبلغ 3.4 مليار طن بحلول عام 2050، أي بزيادة تفوق الضعف مقارنة بعام 2016.
المثير في هذه الأرقام أن الدول الغنية، التي تمثل 16% فقط من سكان العالم، مسؤولة عن أكثر من ثلث النفايات المنتجة عالميًا. لكن التحدي الأكبر لا يكمن هنا، بل في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، خاصة في قارتي آسيا وأفريقيا، حيث تتسارع معدلات النمو السكاني والدخل، ما يرفع معدلات الإنتاج الاستهلاكي وبالتالي النفايات.
كيف تؤثر مستويات الدخل على القمامة؟
يرتبط حجم إنتاج النفايات مباشرة بمستوى دخل الفرد. ففي الدول ذات الدخل المرتفع، حيث نمط الحياة يعتمد على الاستهلاك المفرط والتغليف الصناعي، يصل إنتاج الفرد إلى أعلى مستوياته.
وعلى الرغم من أن الزيادة المتوقعة في هذه البلدان حتى 2050 لا تتجاوز 19%، فإن الدول النامية قد تسجل زيادة تصل إلى 40% في نفس الفترة، بفعل التحول الاقتصادي والاجتماعي.
اللافت أن وتيرة نمو النفايات عالميًا تفوق ضعف وتيرة نمو السكان، ما يعني أن المشكلة لا ترتبط بعدد البشر فحسب، بل بأسلوب حياتهم وأنماط استهلاكهم.
ما الذي يكشفه هذا التوزيع عن مستقبل البيئة؟
إدراك نوعية النفايات يساعد في وضع الحلول المناسبة. فبينما تشكل النفايات العضوية فرصة لتحسين الإنتاج الزراعي عبر التدوير، تمثل النفايات البلاستيكية تحديًا بيئيًا خطيرًا يصعب التخلص منه، ويهدد الحياة البحرية والبرية.
كما أن إدخال نظم إعادة التدوير للورق والمعادن يمكن أن يحد من الاستنزاف البيئي ويعيد التوازن لسلاسل الإنتاج، بشرط توفّر الإرادة السياسية والبنية التحتية اللازمة لذلك، خاصة في الدول التي تواجه معدلات نمو مرتفعة في نفاياتها دون أن تمتلك الأدوات الكافية لإدارتها.
هل من أمل؟ وكيف يمكن خفض هذه الأرقام؟
يبدأ الحل بتغيير جذري في الثقافة الاستهلاكية، وتشجيع الابتكار في تدوير المخلفات، وتوسيع نطاق التوعية المجتمعية، خاصة في المدارس والمؤسسات. كما يُطلب من الحكومات الاستثمار في تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة، وتطوير سياسات تحفيزية للحد من النفايات من المصدر.
ختامًا، صناديق القمامة ليست مجرد مكان لإخفاء الفضلات، بل مرآة لواقعنا البيئي والاقتصادي. ومع اقترابنا من نقطة اللاعودة، يصبح سؤال «ما الذي نرميه؟» سؤالًا وجوديًا حول مستقبل كوكبنا.