بين فساتين تخاط يدويًا، وصوانٍ من الجريش والأرز تنتقل بين البيوت، كانت مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في السعودية قديمًا تعكس روحًا لا تُشبه سواها. قبل عقود من الزمن، لم تكن الزينة تُشترى، ولا الملابس تُنتقى من المتاجر، بل كانت الأفراح تُصنع في البيت، باليد والقلب معًا.
تصف نورة الحميدي، إحدى المهتمات بالتراث النجدي، أجواء الاستعداد للعيد في تلك الأيام، حيث كان ربّ الأسرة يوفّر الأقمشة قبل العيد بأيام، لتقوم الأم بخياطة فساتين البنات باستخدام ماكينة الخياطة المنزلية، فيما يتولى الخيّاط تجهيز أثواب الأبناء. وتقول: “كانت ماكينة الخياطة من أساسيات البيوت، وكل فستان يُخاط بعناية ليكون جاهزًا لصباح العيد”.
وتضيف أن البنات كنّ يتزينّ بالحناء ليلة العيد، بينما يُخاط في الفساتين ما يُعرف بـ”الخريطة”، وهي جيب قماشي يُستخدم لحفظ العيديات التي يحصلن عليها أثناء “الحوامة”، وهو طقس شعبي قديم، يطوف فيه الأطفال بين البيوت مرددين أهازيج العيد، أبرزها: “أبي عيدي، عادت عليكم في حال زينة”.
أما محتوى العيدية فكان بسيطًا لكنه محبوبًا: قريض (نوع من الحمص)، حلاوة طحينية، أو حتى القمح المحمّص. وتتابع الحميدي: “كانت بعض الأسر تضع نقودًا للأطفال داخل أوعية من سعف النخيل، ويقدّمونها بابتسامة دافئة تعكس فرحة العيد”.
من جهتها، تتحدث فدوى العبد الكريم عن دور الأسرة في تلك المرحلة، مشيرة إلى أن الوالدين كانا يفرغان وقتهما بالكامل لمشاركة الأبناء فرحة العيد، وتعليمهم كيف يوزعون العيدية بين الصدقة والادخار واللعب.
وترى آلاء عبد الله أن أجمل لحظات العيد كانت تبدأ من صلاة العيد، حيث يحمل الجميع حلويات العيد معهم إلى المسجد لتوزيعها بعد الصلاة، قبل أن يتوجهوا إلى بيت الجد لتناول الإفطار الجماعي وتبادل العيديات، التي تُقدّم في أجواء تغمرها المودة وتُحيي الروابط الأسرية.
وتؤكد منال النافع أن رغم بساطة المظاهر حينها، إلا أن العيد كان مليئًا بالفرح الحقيقي، وتقول: “ما زلت أذكر حماسنا لارتداء الشراب المزركش والدانتيل، ولحظات النوم الجماعي في غرفة واحدة لحماية الحناء، كانت أيامًا لا تُعوّض”.
أما اليوم، فتختلف المظاهر وتتغير الأدوات، لكن ذكرى تلك الأعياد تبقى حيّة في الوجدان. وترى نجلاء الخليفة أن الفرصة ما زالت قائمة لنقل هذه البهجة إلى الأبناء، من خلال إعداد مفاجآت العيد وتجهيز الهدايا والاهتمام بالتفاصيل، فـ”الفرح لا يحتاج إلى تقنيات، بل إلى نية حقيقية لصناعته”.