أعلنت الوساطة الدولية عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بعد 15 شهرًا من الصراع الدموي، في خطوة تُعتبر بداية جديدة قد تُنهي واحدة من أكثر الحروب تدميرًا بين الجانبين. ومع ذلك، لا تزال القضايا الجوهرية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعيدة عن أي تسوية نهائية، مما يثير التساؤلات حول المرحلة القادمة.
تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار وتداعياته
يتضمن الاتفاق وقف القتال وتبادل الرهائن بين الجانبين، حيث ستفرج إسرائيل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، بينما ستعيد حماس رهائن إسرائيليين محتجزين لديها. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يؤكد الاتفاق رسميًا بعد، إلا أن هذه الخطوة قد تكون مؤشرًا لبداية التخفيف من التوترات المستمرة. ومع ذلك، يبقى الاتفاق محاطًا بتحديات سياسية وأمنية قد تؤثر على تنفيذه واستدامته.
نتائج الحرب على الجانبين
خلال الحرب، نفذت إسرائيل ضربات واسعة ادعت خلالها استهداف قيادات حماس وبنيتها التحتية، إلى جانب توجيه ضربات ضد حزب الله في لبنان وإيران الداعمة لحماس. ومع ذلك، فشلت إسرائيل في تحقيق “النصر الكامل”، حيث لا تزال حماس قوة مهيمنة على الأرض، رغم ضعفها الكبير وخسارتها لمعظم قادتها العسكريين وترسانتها من الصواريخ.
غزة بعد وقف إطلاق النار.. دمار كامل
في المقابل، تكبّد قطاع غزة دمارًا هائلًا، حيث تحولت معظم مناطقه إلى أنقاض، وتشير التقارير إلى مقتل أكثر من 46,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال. أما سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، فقد نزح حوالي 90% منهم، ويفترش مئات الآلاف الخيام على الساحل وسط أزمة إنسانية خانقة. وعلى الرغم من هذه الخسائر، لا تزال حماس قادرة على تنفيذ هجمات ضد القوات الإسرائيلية، مما يعكس تعقيد الوضع الميداني.
التحديات السياسية لنتنياهو وحماس
يواجه بنيامين نتنياهو تحديات سياسية داخلية كبيرة، إذ تعرّض لانتقادات لاذعة بسبب تأخره في التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن، وسط اتهامات بأنه يضع مصالحه السياسية فوق مصلحة عائلات الرهائن. من جهة أخرى، قد يؤدي الإفراج عن أسرى فلسطينيين إلى زعزعة استقرار ائتلافه الحكومي اليميني، مما يضع مستقبله السياسي على المحك.
حماس بعد الاتفاقية
أما حماس، فرغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها خلال الحرب، إلا أنها قد ترى في بقائها فرصة لتعزيز شعبيتها بين الفلسطينيين، خاصة بعد نجاحها في إبرام صفقة لتبادل الأسرى. ومع ذلك، يظل القطاع يعاني من غياب البدائل السياسية وتدهور البنية التحتية بشكل غير مسبوق.
دور الولايات المتحدة والمجتمع الدولي
تباينت المواقف الدولية تجاه الحرب، حيث دعمت إدارة الرئيس جو بايدن إسرائيل علنًا، لكنها تعرضت لانتقادات متزايدة بسبب استمرارها في تزويد إسرائيل بالأسلحة خلال العمليات العسكرية. في المقابل، ساهم فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في تسريع المفاوضات، حيث لعب مبعوثه الخاص دورًا كبيرًا في المراحل الأخيرة من التفاوض. ومع ذلك، لا تزال هناك تساؤلات حول كيفية تعامل الإدارة القادمة مع ملفات إعادة الإعمار وتهدئة الأوضاع في غزة.
غزة بعد الحرب: مستقبل غامض
لا توجد خطة واضحة لإدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب. ومع بقاء الحصار المفروض من قبل إسرائيل ومصر، تشير التقديرات إلى أن إعادة إعمار القطاع قد تستغرق أكثر من 350 عامًا إذا استمر الوضع الراهن. ومع ذلك، فإن أي جهود لإعادة الإعمار تتطلب تعاونًا دوليًا ودعمًا من الدول العربية، التي بدورها تشترط وجود مسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو أمر ترفضه الحكومة الإسرائيلية الحالية.
خاتمة
رغم وقف إطلاق النار، لا تزال جذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائمة دون حلول واضحة. في ظل التوترات المستمرة في الضفة الغربية وتوسع المستوطنات الإسرائيلية، يبدو أن الحرب الأخيرة في غزة قد لا تكون سوى فصل آخر في سلسلة طويلة من الصراعات التي تهدد المنطقة لعقود قادمة.