اقتصاد

هل ستنهار سوق الأسهم في عهد ترامب؟

 

مع نهاية عام 2024، بدا المشهد الاقتصادي في الولايات المتحدة متفائلًا، حيث شهدت مؤشرات الأسواق الثلاثة الكبرى ارتفاعًا ملحوظًا، بفضل الطفرة في مجال الذكاء الاصطناعي، والانتعاش الناتج عن تقسيم الأسهم، والأرباح التي فاقت التوقعات، لكن التحول الأكثر أهمية كان فوز دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر، ليعود إلى البيت الأبيض بعد فترة انقطاع.

أشعل هذا الحدث النقاش حول مستقبل الاقتصاد والأسواق المالية في ظل رئاسة ترامب، خاصة مع التحديات التي قد تواجه الأسواق بسبب التقييمات المرتفعة للأصول والظروف الاقتصادية العالمية المعقدة، وهو ما يطرج سؤالًا مهمًا: كيف ستؤثر السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب على الأسواق المالية الأمريكية في عام 2025؟ وهل من الممكن أن نشهد تصحيحات أو انهيارات في ظل هذه الظروف؟

إرث ترامب الاقتصادي

شهدت الأسواق المالية ازدهارًا خلال فترة ترامب الأولى بين عامي 2017 و2021، حيث ارتفع «داو جونز» بنسبة 57%، بينما قفز «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 70%، وحقق «ناسداك المركب» نموًا هائلًا بنسبة 142%، ويعزى ذلك إلى خفض ضرائب الشركات وتعزيز سياسات عدم التدخل الحكومي، مما حفّز الاستثمارات ودفع بوول ستريت إلى مستويات قياسية.

لكن المثير للاهتمام هذه المرة هو السياق المختلف الذي يأتي فيه ترامب للرئاسة. إذ أن الأسواق تواجه تحديات جديدة، أبرزها ارتفاع التقييمات بشكل لافت، مما يثير التساؤلات حول مدى استدامة هذا النمو.

هل تقييمات السوق فقاعة تنتظر الانفجار؟

يتفق المحللون على أن ترامب سيرث سوقًا باهظة التقييم، حيث يشير مؤشر «شيلر» للقيمة الربحية المعدلة دوريًا، وهو مقياس يعتمد على متوسط الأرباح المعدلة حسب التضخم خلال السنوات العشر الماضية، إلى أن الأسواق وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

وبلغ مؤشر «شيلر»، في 8 يناير، 37.58، وهو أكثر من ضعف متوسطه التاريخي البالغ 17.19 منذ عام 1871، وهو رقم يُعد ثالث أعلى قراءة لهذا المؤشر في سياق صعود السوق المستمر.

ما يثير القلق هو تاريخ التجارب السابقة. فعندما تجاوز مؤشر «شيلر» حاجز 30 في ست حالات سابقة، تبعت ذلك انهيارات كبيرة في الأسواق، تراوحت بين 20% و89% في مؤشرات مثل «داو جونز» و«ستاندرد آند بورز» و«ناسداك».

 هل سيصمد السوق أمام هذه التحديات؟

يشير التاريخ إلى أن التقييمات المرتفعة لا تدوم طويلًا دون تصحيح. ومع اقتراب عام 2025، يبدو أن احتمالية حدوث انخفاض كبير تلوح في الأفق.

ولا يقتصر السبب فقط على التقييمات، بل يشمل أيضًا عوامل اقتصادية وجيوسياسية، مثل السياسات الجديدة التي قد ينتهجها ترامب، وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، واستمرار التنافس مع الصين.

تأثير السياسات الاقتصادية على الأسواق

خلال فترة رئاسته الأولى، ركز ترامب على تعزيز الاستثمارات عبر خفض الضرائب وتقليل القيود التنظيمية. لكن هذه السياسات تركت آثارًا جانبية، منها زيادة الدين العام. والآن، في ظل عودته إلى المنصب، يتساءل المراقبون عما إذا كانت الأسواق مستعدة لتحمل دورة أخرى من السياسات نفسها، خاصة وأن الأسواق أكثر حساسية الآن.

قد يُعيد ترامب النظر في العلاقات التجارية، لا سيما مع الصين، مما قد يؤثر على سلاسل التوريد العالمية. إضافة إلى ذلك، فإن استمرار رفع أسعار الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي قد يُثقل كاهل الأسواق، خصوصًا في ظل ارتفاع معدلات التضخم.

 ماذا تعني عودة ترامب للمستثمرين؟

بالنسبة للمستثمرين، فإن عودة ترامب تعني دخول مرحلة جديدة من عدم اليقين. التقييمات الحالية للأسهم تجعل السوق عرضة لتصحيحات حادة، ما لم تتماش الأرباح المستقبلية مع هذه التوقعات العالية.

من ناحية أخرى، فإن فرص الاستثمار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة قد توفر متنفسًا للأسواق. ولكن لتحقيق ذلك، يجب أن تكون البيئة الاقتصادية مواتية، وهو أمر يعتمد على قرارات السياسة الاقتصادية المقبلة.

 قراءة في المستقبل

بينما يُنتظر تنصيب ترامب، تبقى الأسواق على المحك، تعكس حالة من الترقب والحذر. إذا كان التاريخ يُعلّمنا شيئًا، فهو أن الأسواق لا تتسامح مع التقييمات المبالغ فيها على المدى الطويل. ومع دخول الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة مليئة بالتحديات، فإن العام 2025 قد يكون اختبارًا حقيقيًا لصمود وول ستريت.

في النهاية، يظل السؤال مطروحًا: هل يستطيع ترامب قيادة الاقتصاد والأسواق نحو النمو مرة أخرى، أم أن التاريخ سيُعيد نفسه بانهيار جديد؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.