كان لإعلان الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، رغبته في ضم كندا إلى الولايات المتحدة وشراء جزيرة جرينلاند والسيطرة على قناة بنما، أثر كبير على إعادة تشكيل النظرة العالمية إلى السياسة الأمريكية أو ما يُطلق عليها “الإمبراطورية الأمريكية الجديدة”.
ونقلت مجلة نيوزويك عن أحد الخبراء في التاريخ الأمريكي، أن ترامب يسعى للعودة بالولايات المتحدة إلى العودة للقرن التاسع عشر، والذي توسعت فيه الولايات المتحدة عبر أمريكا الشمالية وامتدت لاحتلال كوبا والفلبين. وقال أكاديمي ثان متخصص في الإمبريالية الأميركية إن ترامب يسعى إلى “شكل أقدم من أشكال إسقاط القوة” والذي “يعود إلى الأيام الدموية للرئيس تيودور روزفلت”.
من ناحية أخرى، أعلن ترامب عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية على منافسته كامالا هاريس، أنه يسعى لفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على السلع التي تدخل إلى الولايات المتحدة عبر كندا والمكسيك، وذلك بهدف وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين وتهريب المخدرات.
وفي ردها على سؤال حول زيارة رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، إلى الرئيس المنتخب ترامب في أعقاب إعلانه نيته فرض التعريفات الجمركية، قالت المتحدثة باسمه، آنا كيلي، إن زعماء العالم يسارعون للتحدث مع ترامب لأنه يفي بوعده بجعل أمريكا قوية مرة أخرى بمجرد توليه منصبه بشكل رسمي. مؤكدة: “ستفكر الدول الأجنبية مرتين قبل تمزيق بلدنا، وستحظى أمريكا بالاحترام مرة أخرى، وسيصبح العالم كله أكثر أمانًا”.
خطة توسع الولايات المتحدة
ولكن ترامب لم يكتف فقط بالتلميحات، ودعا في 18 ديسمبر بشكل صريح انضمام كندا إلى الاتحاد الأمريكي، قائلًا عبر منصته “تروث سوشيال” إن الولايات المتحدة تقدم دعمًا ضخمًا إلى كندا يصل إلى 100 مليون دولار سنويًا وأن هذا الدعم غير منطقي، مؤكدًا أن العديد من الكنديين يريدون أن تصبح بلادهم الولاية رقم 51 في الولايات المتحدة، وهو ما سيوفر عليهم الكثير من الضرائب والحماية العسكرية.
ولكن لم يُصدر أي حزب سياسي كبير في كندا تأييدًا لفكرة الانضمام إلى الولايات المتحدة، وبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد ليجر في الفترة من 6 إلى 9 ديسمبر، فإن 13% فقط من الكنديين يؤيدون تلك الخطوة، ويعارضها 82%. بخلاف كندا، يطمح ترامب أيضًا لشراء جزيرة جرينلاند في الدنمارك التي تتمتع بالحكم الذاتي وتبلغ مساحتها 835 ألف ميل وبها سكان عددهم أقل من 60 ألف نسمة. وكتب ترامب عبر نصة “تروث سوشيال” في 22 ديسمبر الماضي، أن سيطرة الولايات المتحدة على الجزيرة يضمن أمنها القومي.
ولكن يبدو أن الدنمارك لا ترحب برغبة ترامب، وأكدت السلطات الدنماركية من قبل أن الجزيرة ليست للبيع. وفي عام 2019 ألغى ترامب زيارة إلى الدنمارك بعد وصفت رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن اقتراحه السابق بأن تشتري الولايات المتحدة جرينلاند بأنه “سخيف”.
ومقترح ترامب العلني لشراء جزيرة جرينلاند ليس الأول، ففي عامي 1867 و1868 خلال حكم الرئيس أندرو جونسون، فكرت الولايات المتحدة جديًا في شراء الجزيرة وكذلك جزيرة آيسلندا. وتجدد العرض في عام 1946 عندما عرض الرئيس هاري ترومان على الدنمرك 100 مليون دولار من سبائك الذهب مقابل الإقليم. ولكن كلتا المحاولتان باءتا بالفشل.
كشف ترامب أيضًا في 21 ديسمبر الماضي عن رغبته في عودة سيطرة الولايات المتحدة على قناة بنما، وهي القناة التي كانت تتولى إدارتها قبل أن تسلمها إلى بنما في عام 1999 عبر اتفاق وقعه الرئيس جيمي كارتر في عام 1978. وفي منشور على موقع Truth Social، قال ترامب: “الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، خاصة مع العلم بالكرم الاستثنائي الذي قدمته الولايات المتحدة لبنما”. وهدد ترامب بأنه إذا لم تلتزم إدارة القناة بالمبادئ الأخلاقية فإنه سيطالب بعودة القناة تحت السيادة الأمريكية بشكل كامل.
طموح أمريكي تاريخي في التوسع
يقول البروفيسور شون آدامز، الخبير في التاريخ الأمريكي بجامعة فلوريدا، إن هذه التطلعات تُعيدنا إلى القرن التاسع عشر عندما كانت إدارات الولايات المتحدة تسعى للتوسع الإقليمي بشكل كبير، وهو ما أدى إلى ظهور عبارة “النسر الأمريكي المنتشر” في خمسينيات القرن الماضي.
وخلال الفترة من أربعينيات القرن التاسع عشر إلى ستينياته، شهدنا استحواذ أميركا على مساحات شاسعة من المكسيك وألاسكا الروسية، ومحاولات فاشلة لضم سانتو دومينغو (جمهورية الدومينيكان الآن) وشراء جرينلاند وأيسلندا من الدنمارك. وكان ذلك مدفوعًا بالرغبة في توسيع الحكومة الجمهورية التي منحتها الولايات المتحدة إلى العالم، بخلاف الفرص الاقتصادية التي صاحبت هذا التوسع.
ولكن آدامز يقول إن طموحات ترامب في التوسع أقل بكثير من نظيرتها التي أبداها الرئيس أندرو جاكسون الذي أشرف على شراء ألاسكا. مؤكدًا أن التوسع الإقليمي الحالي يُعيد إلى الأذهان التوسع العدائي الذي أبداه جاكسون خلال القرن الماضي. ولكن يبدو أن ترامب يعتمد على السياسة الواقعية بشكل أكبر ولكنه يظل انحرافًا عن النمط الأمريكي الحالي في التعامل العالمي الذي يميل أكثر للمعاهدات والتحالفات بدل من التوسع السريع في الممتلكات الأمريكية.
اقرأ أيضًا: تأشيرة العمال الأجانب تثير الجدل في الولايات المتحدة