اقتصاد

ما هي الوكالات الحكومية الأمريكية التي تمنح أعلى الرواتب لموظفيها؟

 

يتزايد النقاش مع بداية العام الجديد حول الفجوة الواضحة في الأجور بين مختلف الوكالات الحكومية الأمريكية، التي تعكس حقيقة أن بعض الوكالات تقدم رواتب ضخمة لموظفيها، في حين أن أخرى تقدم رواتب أقل بكثير.

وفي حين أن بعض الوكالات، مثل لجنة تداول السلع الآجلة «CFTC»، وسوق الأوراق المالية، تقدم رواتب ضخمة لموظفيها، نجد أن الوكالات الأخرى مثل وزارة شؤون المحاربين القدامى ووزارة الخزانة تقدم رواتب أقل بكثير، ويسلط هذا التفاوت الضوء على الأسس التي تحدد قيمة العمل داخل هذه المؤسسات الفيدرالية، وكذلك التحديات التي قد تواجهها الوكالات ذات الأجور الأقل في جذب الكفاءات.

وفي هذا السياق، سنتناول تحليلًا لأعلى وأدنى الرواتب في الوكالات الحكومية، مع التركيز على الأدوار التي تلعبها هذه الوكالات في الاقتصاد الأمريكي وتأثير ذلك على السياسات المالية.

ما هي الوكالات الأعلى من حيث الرواتب في أمريكا؟

تتصدر «لجنة تداول العقود الآجلة للسلع (CFTC)» قائمة الوكالات الفيدرالية التي تمنح أعلى الأجور، حيث يتقاضى موظفوها متوسط راتب يصل إلى 247,518 دولارًا سنويًا.

هذا الرقم، الذي يتجاوز بكثير متوسط الرواتب الحكومية الفيدرالية البالغ 99 ألف دولار، يعكس الدور الحيوي الذي تؤديه الوكالة في الإشراف على أسواق المشتقات المالية التي تبلغ قيمتها التقديرية 400 تريليون دولار، فمن أجل ضمان مراقبة هذه الأسواق المعقدة، التي تشمل أدوات مالية معقدة مثل العقود المستقبلية على السلع، تتطلب الوكالة موظفين ذوي خبرات متخصصة للغاية في الاقتصاد، والقانون، والمحاسبة.

لا يقتصر الأمر على الوكالات التي تنظم الأسواق المالية فحسب، بل أيضًا الوكالات التي تدير الأسواق المالية الرقمية والتكنولوجية. على سبيل المثال، تتصدر «اللجنة الفيدرالية للأوراق المالية (SEC)» القائمة أيضًا، حيث يتمتع موظفوها بمتوسط راتب يبلغ 227,571 دولارًا.

وتُعد هذه الوكالة من الأعمدة الأساسية التي تدير أسواق الأوراق المالية الأمريكية، حيث تتحمل مسؤولية تنظيم بورصات الأسهم، وتدقيق عمل المستشارين الماليين، وضمان أن تتماشى المؤسسات المالية مع الأنظمة القانونية والتشريعات التي تحكم قطاع المال.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض الوكالات الفيدرالية التي تعمل في مجالات متخصصة أخرى، مثل «وكالة تأمين الائتمان الزراعي» «Farm Credit System Insurance Corp»، التي تضم 10 موظفين فقط، تمنح أيضًا رواتب مرتفعة.

تقدم هذه الوكالة ضمانات للقروض الزراعية التي تُمنح عبر البنوك المتخصصة في مجال الزراعة، حيث بلغ إجمالي القروض الممنوحة من هذه البنوك في الربع الثالث من عام 2024 حوالي 414.4 مليار دولار. إذًا، يشير هذا إلى أن الوظائف التي تتطلب مهارات عالية وإلمامًا عميقًا بالأسواق المالية العالمية تأخذ الأولوية في تحديد الأجور.

ما هي الوكالات الأدنى من حيث الرواتب في أمريكا؟

على النقيض من هذه الوكالات، تتصدر «منزل تقاعد القوات المسلحة» قائمة الوكالات الأقل أجرًا، حيث يتقاضى موظفوها متوسط راتب قدره 60,465 دولارًا سنويًا.

وعلى الرغم من أن هذه الوكالة تهتم بتوفير الرعاية لكبار السن من العسكريين في منشآت التقاعد داخل الولايات المتحدة، فإن الوظائف التي يقدمها هذا النوع من الوكالات ترتبط بشكل أساسي بالخدمات الاجتماعية التي لا تحتاج إلى الخبرات المالية المعقدة.

وكذلك، نجد أن «وزارة شؤون المحاربين القدامى Veterans Affairs» تأتي ضمن الوكالات التي تُصنف في قاع سلم الأجور، حيث يتقاضى موظفوها متوسط راتب يبلغ 89,092 دولارًا سنويًا. وعلى الرغم من أنها تُعد واحدة من أكبر الوكالات الفيدرالية من حيث عدد الموظفين، حيث يصل عددهم إلى حوالي نصف مليون موظف، فإن الأدوار التي يُكلف بها موظفوها تتراوح بين الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية للمحاربين القدماء، وهي أدوار لا تتطلب المهارات التقنية المعقدة التي توجد في الوكالات المالية والتجارية.

تُظهر هذه الفجوة بين الوكالات في الأجور حقيقة أن الحكومة الفيدرالية تقدم أجورًا مرتفعة في الوكالات التي تعمل في المجالات المالية المعقدة، بينما تكون الرواتب في الوكالات التي توفر خدمات اجتماعية أو إدارية أقل بكثير. هذا التفاوت يعكس، من ناحية أخرى، الأهمية الاستراتيجية التي تُوليها الحكومة الفيدرالية للأدوار ذات الأثر المباشر على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية.

هل يمكن للحكومة الأمريكية منافسة الشركات الكبرى؟

من أجل الحفاظ على تنافسيتها في جذب الكفاءات من القطاع الخاص، تلجأ بعض الوكالات الفيدرالية إلى تقديم رواتب مغرية لضمان استقطاب أفضل الخبرات. على سبيل المثال، الوكالات مثل «اللجنة الفيدرالية للأوراق المالية» و«لجنة تداول العقود الآجلة للسلع» تدفع أجورًا مرتفعة ليس فقط بسبب تعقيد المهام التي تقوم بها، ولكن أيضًا لأن هذه الوكالات تحتاج إلى موظفين متخصصين في مجال يتسم بمنافسة شديدة مع القطاع الخاص.

ولكن على الرغم من هذه الجهود، ما يزال متوسط الرواتب في الوكالات الحكومية أقل بنسبة تصل إلى 22% مقارنةً بالوظائف المماثلة في القطاع الخاص، ووفقًا لتقرير نشره موقع «Indeed»، فإن هذه الفجوة في الأجور تُعد بمثابة تحدٍ كبير للحكومة الفيدرالية، حيث تسعى لاستقطاب المهارات المطلوبة لضمان استدامة القطاع الحكومي، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية المستمرة.

إن مستقبل هذه الوكالات يواجه العديد من التحديات في ظل الأزمات المالية المتزايدة، مثل الديون العامة التي سجلت مستويات غير مسبوقة والعجز المالي الذي يضغط على الحكومة الفيدرالية. من ناحية أخرى، تم اقتراح العديد من الخطوات الرامية إلى تقليص حجم الحكومة وتقليل عدد الموظفين في بعض الوكالات. على سبيل المثال، هناك اقتراحات تهدف إلى إلغاء بعض الوكالات الحكومية مثل “مكتب حماية المستهلك المالي” و”وزارة التعليم”، في محاولة لخفض التكاليف الحكومية.

غير أن هذه الخطوات تواجه مقاومة كبيرة من الكونجرس والنقابات العمالية، التي تخشى أن تؤدي هذه الإجراءات إلى فقدان الوظائف وتأثير سلبي على الخدمات العامة. في هذا السياق، من المتوقع أن تشهد الأجور في الوكالات الحكومية الفيدرالية تغييرات كبيرة، سواء من حيث الارتفاع أو الانخفاض، بناءً على الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي قد تُنفذ في المستقبل.