نجح فريق من الباحثين في تطوير «خوارزمية تعلم عميق» قادرة على تحليل صور شبكية العين للكشف المبكر عن مرضي الزهايمر والتدهور الإدراكي الطفيف.
واستند الباحثون في دراستهم، التي نُشرت في مجلة «NPJ Digital Medicine»، إلى 5751 صورة جُمعت من 1671 مشاركًا، توصلوا من خلالها إلى إثبات أن الأسلوب الجديد يتفوق بشكل كبير على الأساليب التقليدية المستخدمة للكشف عن الزهايمر والتدهور الإدراكي.
تقنية دقيقة ومنخفضة التكلفة
ويعد مرض «الخرف» أو «الزهايمر» حالة تنكسية تتسبب في تراجع القدرات الإدراكية، مثل الذاكرة ومعالجة المعلومات، مما يعرقل قدرة الأفراد على أداء الأنشطة اليومية، وفي السنوات الأخيرة وصل عدد المصابين بذلك المرض إلى أكثر من 50 مليون شخص ويتوقع أن يرتفع العدد في السنوات القادمة.
ولا تقتصر فائدة الدراسة الجديدة على دقة النتائج فحسب، بل تشمل أيضًا التكلفة المنخفضة والسرعة في المعالجة، مما يجعلها أداة مثالية للاستخدام في فحص السكان بشكل واسع.
وتتسم الاختبارات البيوكيميائية والتصوير بالرنين المغناطيسي للكشف عن الخرف بالكلفة المرتفعة والتعقيد، وتحتاج إلى مرافق متخصصة، وغالبًا ما تفشل في اكتشاف مرض الزهايمر في مراحله المبكرة، ما يعوق قدرة الأطباء على التدخل المبكر مع الأفراد المعرضين للخطر.
نافذة جديدة لفحص الدماغ
وفي حين تذهب الدراسات العلمية إلى إمكانية وجود ارتباطًا محتملاً بين شبكية العين، التي تُعد «نافذة إلى الدماغ»، وبين الأمراض التنكسية العصبية مثل الزهايمر، فإن الباحثين طوروا في دراستهم نموذج تعلم عميق جديد أُطلق عليه اسم «Eye-AD»، وهو مصمم خصيصًا لتحليل صور الأوعية الشبكية الملتقطة بتقنية التماسك البصري «OCTA»، والتعرف على المرضى الذين يعانون من الزهايمر المبكر أو التدهور الإدراكي الطفيف.
ويعتمد هذا النموذج على معالجة البيانات عالية الدقة من طبقات الشبكية المختلفة، مثل المجمع الوعائي السطحي «SVC» والمجمع الوعائي العميق «DVC» والشعيرات الشبكية «CC»، للكشف عن الأنماط المرتبطة بالتدهور الإدراكي.
وتعد تقنية «OCTA» من أحدث أساليب التصوير التي تتيح تصوير الأوعية الدموية الدقيقة في الشبكية بسرعة ودقة، حتى على مستوى الشعيرات الصغيرة، ما يوفر رؤى تفصيلية حول شبكة الأوعية الدقيقة في الشبكية والمناطق غير الوعائية، بما في ذلك المناطق الواقعة في عمق العين.
ومن خلال دمج هذه التقنية مع الذكاء الاصطناعي، يسعى الباحثون إلى إيجاد حلول فعالة من حيث التكلفة وقابلة للتوسع لتحديد الأفراد المعرضين للخرف وتعزيز عملية الشيخوخة الصحية، إضافة إلى تمكين التدخلات الطبية المبكرة.
وخلال الدراسة تم جمع البيانات من مجموعتين رئيسيتين، هما «ROMCI» (الكشف عن التدهور الإدراكي الطفيف باستخدام OCTA) و«ROAD» (الكشف عن الزهايمر المبكر باستخدام OCTA)، اللتين شملتا صورًا لشبكية العين المركزية في المنطقة الفوفائية.
آلية عمل نموذج «Eye-AD»
ويتألف نموذج «Eye-AD» من جزئين رئيسيين: شبكة عصبية تلافيفية «CNN» لاستخراج السمات، وشبكة عصبية رسومية «GNN» للتنبؤ النهائي، ويعمل هذان العنصران معًا لتحليل العلاقات المعقدة بين طبقات الشبكية، مما يسمح بتقييم شامل للوظائف الإدراكية، وتم اختبار النموذج باستخدام عدة مشفرات، بما في ذلك «ResNet» و«ConvNeXt»، وتم اختيار ConvNeXt في النهاية بفضل سرعته وأدائه المستقر.
وأظهرت نتائج الدراسة أن نموذج «Eye-AD» يتمتع بدقة وموثوقية عالية، متفوقًا على الأساليب التقليدية التي تعتمد على الاختبارات البيوكيميائية والتصوير بالرنين المغناطيسي، فيما أظهرت الدراسة أن دقة النموذج في الكشف عن الزهايمر المبكر بلغت 0.9355 بينما كانت دقته في الكشف عن التدهور الإدراكي الطفيف 0.8630، مما يبرز قوة النموذج في تقديم نتائج دقيقة وبأسعار معقولة، بالإضافة إلى سرعة المعالجة، مما يجعله خيارًا عمليًا للفحص على نطاق واسع.
كما أظهرت التحليلات أيضًا أن المجمع الوعائي العميق «DVC» كان له دور أكبر في الكشف عن الزهايمر المبكر والتدهور الإدراكي الطفيف مقارنة بالطبقات الأخرى لشبكية العين، مما يشير إلى أن التغيرات في الطبقات العميقة قد تكون أكثر ارتباطًا بالتدهور الإدراكي. كما أظهرت الدراسة أن الفروق في هيكل الشبكية كانت أكثر وضوحًا لدى المرضى المصابين بالزهايمر المبكر مقارنة بالمرضى الذين يعانون من التدهور الإدراكي الطفيف، مما يعكس التأثير الأكثر شدة للمرض على الأوعية الدموية في الشبكية.
وفي حين يمثل نموذج Eye-AD خطوة هامة نحو الكشف المبكر عن الخرف، بفضل قدرته على فحص مجموعات كبيرة من الأفراد باستخدام صور شبكية العين عالية الدقة، يشدد الباحثون على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات للتحقق من فعالية النموذج عبر فئات سكانية أكثر تنوعًا، كما أن دمج طرق أخرى مثل الاختبارات الدموية أو التقييمات الإدراكية قد يعزز من قوة تشخيص النموذج.
ومع استمرار تطوير هذا النموذج، قد يصبح أداة قيمة في فحص ومراقبة الخرف، مما يساهم في تعزيز صحة الشيخوخة وتحسين نتائج المرضى في المستقبل.