علوم

هذه الشعوب البشرية هي الأكثر”عزلة وراثيا” في العالم

ظهرت مجتمعات بشرية تمتاز بعزلة جينية استمرت لآلاف السنين، وقد أثرت هذه العزلة على التنوع الوراثي وأنتجت سمات فريدة، وأحيانًا تحديات صحية مميزة

تتسم الشعوب البشرية بتنوعها الجيني والثقافي، إلا أن عوامل جغرافية وثقافية ودينية معينة ساهمت في عزل بعض المجموعات البشرية، مما أدى إلى تشكيل تركيبتها الوراثية بشكل فريد.

فبين الجبال الشاهقة، والغابات المترامية، والانعزال الثقافي، ظهرت مجتمعات بشرية تمتاز بعزلة جينية استمرت لآلاف السنين، وقد أثرت هذه العزلة على التنوع الوراثي لديهم وأنتجت سمات فريدة، لكنها جعلتهم أيضًا أكثر عرضة للأمراض الوراثية مقارنة بالشعوب الأخرى.

العزلة الجينية.. أسبابها وتأثيرها

خلال الخمسين ألف سنة الماضية، انتشر البشر في جميع أنحاء العالم، لكن الحواجز الجغرافية مثل الجبال والأنهار والصحارى، إلى جانب الاختلافات الثقافية، ساهمت في منع التزاوج بين المجموعات البشرية المختلفة.

هذا الانفصال أدى إلى ظاهرة تُعرف باسم “الحدث المؤسس”، حيث تنفصل مجموعة صغيرة عن مجتمع أكبر، مما يؤدي إلى تقليل التنوع الجيني داخلها.

وقد أظهرت دراسة أُجريت على 460 مجموعة بشرية أنه لدى نصفها أدلة على “حدث مؤسس” حديث.

أكثر 9 شعوب معزولة وراثيًا

الأميش والمينونايت والهوترايت

من أبرز الأمثلة على العزلة الوراثية تأتي المجتمعات المسيحية التقليدية، مثل الأميش، المينونايت، والهوترايت، التي نشأت في القرن السادس عشر.

هذه المجموعات هاجرت إلى أمريكا في القرن السابع عشر، واستقرت في مناطق ريفية معزولة، ومع مرور الوقت، أدى نمط حياتهم المنعزل إلى تضييق التجمع الجيني وزيادة انتشار الأمراض الوراثية.

وعلى سبيل المثال، يعاني 1 من كل 380 فردًا من المينونايت من اضطراب “مرض البول القيقبي”، الذي يؤثر على معالجة الأحماض الأمينية.

وفي مجتمع الهوترايت، الذي ينحدر من 67 فردًا فقط، تُسجل معدلات مرتفعة للتليف الكيسي مقارنة بالمعدل العام.

البارسيون

هم مجتمع زرادشتي هاجر من بلاد فارس إلى الهند في القرن السابع، ويُعد مثالاً على العزلة الناتجة عن الممارسات الدينية، حيث ترفض هذه المجموعة الزواج من خارجها، مما أدى إلى تقليص التنوع الوراثي.

وعلى الرغم من ذلك، يتميز البارسيون بمتغيرات جينية تُطيل العمر إلى التسعينيات، لكنهم يعانون من معدلات مرتفعة للإصابة بسرطان الثدي، وأشارت دراسة حديثة عام 2021 إلى أن الزواج الداخلي كان سبباً رئيسياً وراء هذه السمات.

الشيربا

في نيبال، يعيش شعب الشيربا في عزلة جغرافية بسبب التضاريس الجبلية القاسية التي تفصلهم عن جيرانهم.

نشأ الشيربا من التبت قبل 400 إلى 600 عام، وأصبحت قدراتهم الفريدة على التأقلم مع المرتفعات العالية موضع اهتمام العلماء، وأظهرت دراسة نُشرت عام 2014 أن جينات الشيربا تطورت خلال الثلاثة آلاف عام الماضية لتساعدهم على تحمل نقص الأكسجين في المناطق المرتفعة.

سكان بابوا غينيا الجديدة

تُعد بابوا غينيا الجديدة من أكثر المناطق عزلة وراثياً، حيث عُزل سكانها عن بقية العالم لعشرات الآلاف من السنين.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن سكان المرتفعات لديهم متغيرات جينية مختلفة عن سكان الأراضي المنخفضة، مما يعكس العزلة داخل البلاد نفسها، حيث ساعدت الجينات الموروثة من إنسان دينيسوفا، – مجموعة بشرية منقرضة – سكان الأراضي المنخفضة على محاربة العدوى، بينما مكّنت سكان المرتفعات من التأقلم مع العيش في ارتفاعات شاهقة.

شعب الإنويت

وصل شعب الإنويت إلى القطب الشمالي في أمريكا الشمالية منذ حوالي 6000 عام، حيث أسسوا مجتمعات منعزلة في ظروف بيئية قاسية.

وتشير الدراسات الجينية إلى أن الإنويت يتمتعون بقدرة محسنة على استقلاب الدهون والبروتين، مما ساعدهم على البقاء في بيئة تنعدم فيها النباتات.

ومع ذلك، كشفت دراسة أجريت عام 2019 أن هذه العزلة أدت إلى زيادة مخاطر الإصابة ببعض الحالات الوراثية، مثل تمدد الأوعية الدموية الدماغية.

أنتيوكينوس

يحمل مجتمع معزول وراثيًا في شمال غرب كولومبيا، يُدعى Antioqueños أو Paisas، متغيرًا وراثيًا نادرًا يعرض الناس لخطر متزايد للإصابة بمرض الزهايمر المبكر (AD).

تأسست مقاطعة أنتيوكيا على يد مجموعة صغيرة من الرجال الإسبان والنساء الأصليات، ووجدت دراسة أجريت عام 2006 في مجلة PNAS أن أحفادهم استمروا في الاقتران بالرجال الإسبان، وبمرور الوقت، أدى هذا إلى إنشاء مجموعة سكانية معزولة وراثيًا، حيث يحمل العديد من سكان أنتيوكيا طفرة جينية نادرة تؤدي إلى ضعف الإدراك بحلول سن 45 عامًا ومرض الزهايمر بحلول سن 50 عامًا، في حين يصاب الأشخاص عادةً بالمرض بعد سن 65 عامًا.

اليهود الأشكناز

نشأ اليهود الأشكناز في الشتات، مهاجرين من الشرق الأوسط إلى أوروبا. أظهرت دراسات جينية أن حوالي نصف اليهود الأشكناز اليوم ينحدرون من أربع مجموعات أصلية فقط، وقد تسببت هذه العزلة في زيادة انتشار بعض الأمراض الوراثية مثل مرض تاي ساكس.

الفنلنديون

على مدار تاريخها، شهدت فنلندا على الأقل اثنتين من حالات الاختناق السكاني الكبرى، حيث انخفض عدد السكان ثم عادوا إلى الارتفاع، وقد أدت هذه الاختناقات، بالإضافة إلى الطبيعة المعزولة جغرافيًا وقلة عدد السكان نسبيًا في البلاد، إلى زيادة تواتر بعض المتغيرات الجينية.

أنشأ الفنلنديون قاعدة بيانات تسمى ” تراث الأمراض الفنلندية “، والتي تسرد عشرات الاضطرابات الوراثية المتنحية الشائعة بين الفنلنديين العرقيين والتي يمكن أن تؤثر بشدة على صحتهم، بما في ذلك أنواع الصرع وضمور العضلات.

ومن ناحية أخرى، تجعل الجينات الفنلندية الفريدة من نوعها حالات أخرى مثل التليف الكيسي نادرة لدى الأشخاص من أصل فنلندي عرقي.

جزيرة تريستان دا كونها

تقع جزيرة تريستان دا كونها في جنوب المحيط الأطلسي، ويعيش فيها حوالي 250 نسمة فقط. ساهمت هذه العزلة في انتشار اضطرابات وراثية، مثل التهاب الشبكية الصباغي والربو، بمعدلات مرتفعة بشكل غير عادي.

المصدر:

livescience