تقنية

الكتابة التقليدية باليد في عصر التقنية لا زالت مهمة للعقل

الكتابة التقليدية باليد في عصر التقنية لا زالت مهمة للعقل

مع الاتجاه العالمي نحو الاعتماد على التقنيات الحديثة ومن بينها أجهزة الكمبيوتر، بدأت الكتابة التقليدية باليد في التراجع بشكل كبير لتحل محلها لوحات المفاتيح.

ولم يقتصر الأمر على البالغين فقط، بل بدأت الكثير من المدارس في إدخال الأجهزة اللوحية والرقمية في أسلوب التعليم، ولم تعد تُلزم الأطفال بالكتابة باليد.

ولكن المدهش أن العلماء توصلوا إلى أن الكتابة بخط اليد لها فوائد كبرى، حتى وإن كان الطفل يتلقى نفس المحتوى من خلال الأجهزة الرقمية.

ما هي فوائد الكتابة باليد؟

في عام 2020، كشفت دراسة اعتمدت على تخطيط كهربية الدماغ، أن الكتابة اليدوية التقليدية تساعد الدماغ على التعلم والتذكر بشكل أفضل.

واعتمدت الدراسة التي قام بها باحثون في الجامعة النرويجية للعلوم والتقنية (NTNU)، على مراقبة تخطيط كهربية الدماغ عالي الكثافة لمجموعة من الأطفال والشباب البالغين في عمر 12 عامًا.

وتمت ملاحظة الطلاب وهم يكتبون بخط اليد أو يستخدمون لوحة المفاتيح أو يرسمون كلمات معروضة بصريًا باستخدام قلم رقمي على شاشة تعمل باللمس، أو باستخدام قلم رصاص وورقة تقليدية.

واكتشف العلماء أن الكتابة باليد تزيد من تحفيز أجزاء الدماغ المسؤولة عن التعلم، من خلال مزامنة الموجات الدماغية في نطاق إيقاع ثيتا (4-7 هرتز) وتحفيز المزيد من النشاط الكهربائي في الفص الجداري والمناطق المركزية من الدماغ.

ويقول الباحثون إن تلك النتائج أثبتت أن النشاط العصبي المتذبذب في هذه المناطق من الدماغ له أهمية كبيرة في تحسين الذاكرة واستقبال المعلومات الجديدة وتوفير مناخ مثالي للتعلم.

والأمر مهم أيضًا للبالغين، إذ أن تدوين المعلومات بخط اليد بدلًا من لوحة المفاتيح يساهم بشكل كبير في فهم المحتوى المراد كتابته وحفظه.

وكشفت دراسة أخرى أُجريت على الأطفال الصغار، أن الكتابة باليد تنشّط “دائرة قراءة” فريدة في المخ، بما يخلق أساسًا للقراءة الناجحة.

من ناحية أخرى، فإن الكتابة تعمل على إشراك هياكل مختلفة في الدماغ لإنتاج الكتابة على الورق، بما يساهم في تطوير أنشطة لغوية أكثر تعقيدًا تساعد في استيعاب الأنشطة الإملائية وتكوين النصوص.

لماذا تخلق الكتابة التقليدية باليد هذا التأثير؟

تشير مجموعة من أبحاث تصوير الدماغ الحديثة إلى أن قوة الكتابة اليدوية تنبع من التعقيد النسبي لهذه العملية وكيف تجبر أنظمة الدماغ المختلفة على العمل معًا لإعادة إنتاج أشكال الحروف في رؤوسنا على الصفحة.

وعلى الرغم من أن الكتابة اليدوية والكتابة من خلال لوحة المفاتيح تتطلب تحريك لأصابع اليدين، إلا أن الكتابة التقليدية تحتاج لمزيد من التنسيق الدقيق بين الأنظمة الحركية والبصرية.

وتقول مارييك لونجكامب، عالمة الأعصاب الإدراكية بجامعة إيكس مرسيليا، إن الكتابة اليدوية من المهارات الحركية الأكثر تعقيدًا التي يمكن للدماغ القيام بها.

وتضيف أن الكتابة بالقلم تتطلب حضور الذهن لمراقبة الضغط بالأصابع على القم، وفي نفس الوقت الانتباه إلى محاولة تنسيق الحروف في الذهن لإعادة تشكيلها على الورق.

كما أن إشراك الجسد في الكتابة يساعد على تكوين ارتباطات بين الجسد وما يراه الشخص ويسمعه، وهو ما يسمح للعقل بمساحة كبيرة للفهم أو التوصل لأفكار معينة.

ويحذر العلماء من أن اندثار أو ترك الكتابة اليدوية من شأنه أن يحرم الأطفال والبالغين من تطوير مناطق معينة في الدماغ المستخدمة في القراءة، وحرمان العديد من الحواس من النشاط، بما يبني حواجز بين أجزاء الدماغ المختلفة.