صباح الأحد الماضي، استيقظ السوريون على مشهد جديد لبلدهم، بعدما أسدلت المعارضة الستار على حكم استمر أربعة وعشرين عامًا بقيادة بشار الأسد.
كانت الحرب الدامية، التي اندلعت عام 2011 مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام، هي الزلزال الذي زعزع استقرار سوريا، حيث دفع القمع الدموي والاشتباكات العنيفة الملايين إلى النزوح عن ديارهم، تاركين وراءهم ذكريات دمرت، وبيوتًا خلت من ساكنيها.
ومع دخول قوات المعارضة إلى دمشق، انتهت حقبة وصراع دام أكثر من ثلاثة عشر عامًا، لكنه ترك وراءه جروحًا عميقة لا تلتئم بسهولة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن ذلك الصراع أودى بحياة ما يقرب من نصف مليون إنسان، وأصاب أكثر من مليون بجروح، بينما شُرّد أكثر من 13 مليونًا.
شتات سوري واسع
بحلول عام 2024، أصبحت سوريا مشهدًا مأساويًا للنزوح الجماعي، حيث بات نحو 7.4 ملايين شخص نازحين داخليًا، يعيشون في ظروف قاسية داخل وطنهم الممزق، بينما لجأ نحو 4.9 ملايين إلى الدول المجاورة بحثًا عن مأوى، في حين وجد 1.3 مليون ملاذًا في أوروبا وأماكن أخرى.
وتشكل الدول المجاورة الوجهة الرئيسية لهؤلاء اللاجئين، إذ تستضيف تركيا أكبر عدد منهم، بما يزيد عن 3.1 ملايين شخص، مما يجعلها الدولة صاحبة النصيب الأكبر من اللاجئين في العالم،ورغم أن الحكومة التركية منحتهم الحماية المؤقتة، فإن ذلك لم يوفر لهم مسارًا للحصول على الجنسية، مما يعقد عملية اندماجهم في المجتمع.
أما لبنان، فيأتي في المرتبة الثانية، حيث يستضيف نحو 774 ألف لاجئ مسجل، في حين يُقدر العدد الإجمالي بما يصل إلى 1.5 مليون.
ويمثل اللاجئون السوريون في لبنان خمس السكان، مما يضع البلاد تحت ضغوط اقتصادية واجتماعية هائلة في بلد يعاني أصلًا من أزمة اقتصادية طاحنة.
وعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط، استقبلت ألمانيا ثالث أكبر عدد من اللاجئين السوريين، حيث يقدر عددهم بـ716 ألفًا.
وأعلنت السلطات الألمانية تعليقًا مؤقتًا للبت في طلبات اللجوء المقدمة من السوريين بعد سقوط الأسد، وهو إجراء يؤثر على نحو 47 ألف طلب.
بوادر العودة
رغم مأساة الشتات التي أحاطت بالسوريين لسنوات، بدأت بوادر العودة إلى الوطن تلوح في الأفق، حيث وثّقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024 عودة 34 ألف شخص، مع احتمال أن تكون الأعداد الفعلية أعلى بكثير.
وبينما تحمل التحركات بارقة أمل في استعادة الاستقرار، فإنها في الوقت ذاته تضع تحديات إعادة الإعمار وتأمين الأمان في صدارة الأولويات، فيما تبقى مأساة اللاجئين السوريين شاهدًا على أعمق معاني الفقدان والاغتراب، حيث نشأت أجيال كاملة في المنافي، بعيدًا عن وطنها الذي تغيّرت ملامحه تحت وطأة الحرب.