سياسة

سقوط نظام الأسد يعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة

المعارضة السورية في شوارع حلب

قبل أسبوع، بدت فكرة سقوط الرئيس السوري بشار الأسد مستحيلة، لكن الحملة العسكرية التي أطلقتها المعارضة السورية من معقلها في إدلب، شمال غربي البلاد، أدت إلى تحول جذري في الأحداث، سرعان ما ألقى بظلاله على مستقبل النظام والمنطقة.

يُنظر إلى هذا التحول على أنه لحظة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث التي تعاني سياسيا واجتماعيا منذ عقود، حيث تولى الأسد السلطة عام 2000 خلفًا لوالده حافظ الأسد، الذي حكم البلاد لما يقرب من ثلاثين سنة بنهج يعتمد على السيطرة المطلقة، ورغم بعض الآمال التي صاحبت بداية حكم الأسد الابن فإن فترة حكمه اتسمت بتصاعد القبضة الأمنية وتزايد القمع.

أبرز محطات عهده كانت قمع الاحتجاجات السلمية في عام 2011، حيث واجه التظاهرات التي طالبت بالإصلاحات بعنف غير مسبوق، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية أودت بحياة مئات الآلاف، وشردت الملايين، لكن الأسد ظل في السلطة بفضل الدعم الروسي والإيراني، إذ استخدمت روسيا قوتها الجوية لتعزيز موقفه، بينما وفرت إيران مستشارين عسكريين، إلى جانب دعم من حزب الله اللبناني الذي أسهم بمقاتلين مدربين لدعم قوات النظام في مواجهة خصومه.

تخلي الحلفاء وهجوم المتمردين

غير أن القوى الداعمة الداعمة للنظام السوري، مثل روسيا وإيران، انشغلت هذه المرة بأولوياتها الداخلية والإقليمية، مما أدى إلى تقليص دعمها الميداني للأسد، وفي ظل غياب هذا الدعم الحاسم، ظهرت قواته في مواقع عديدة عاجزة عن التصدي لهجمات المعارضة المسلحة، بل وأحيانًا غير راغبة في المواجهة، وكانت جماعة «هيئة تحرير الشام» في طليعة المهاجمين.

بدأت الحملة بسقوط مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية، دون مقاومة تُذكر، تبع ذلك السيطرة على حماة، ثم حمص، إحدى المدن الحيوية، ومع توغل المتمردين من الشرق والجنوب، أصبحت العاصمة دمشق معزولة عن بقية البلاد. وفي غضون ساعات، تمكنت المعارضة المسلحة من دخول العاصمة، ما أنهى حكمًا امتد لخمسة عقود تحت سيطرة عائلة الأسد.

تبعات إقليمية ودولية

يشكل انهيار النظام السوري تطورًا كبيرًا في موازين القوى الإقليمية، ويترك تأثيرات ملموسة على النفوذ الإيراني، حيث كانت سوريا تحت حكم الأسد تشكل نقطة وصل استراتيجية بين إيران وحزب الله اللبناني، الذي اعتمد على هذا المسار لنقل الأسلحة والإمدادات.

ومع خسارة دمشق، باتت هذه الشبكة عرضة للتفكك، مما يزيد من التحديات التي يواجهها حزب الله، لا سيما بعد إرهاقه في مواجهات ممتدة مع إسرائيل.

أما في اليمن، فكثفت الضربات الجوية على الحوثيين، مما أضعف النفوذ الإيراني هناك أيضًا، ومع تراجع قدرات طهران في دعم حلفائها، يتراجع ما يسمى بـ«محور المقاومة» الذي يضم حزب الله والحوثيين ومجموعات أخرى مدعومة من إيران.

على الجانب الآخر، ينظر الاحتلال الإسرائيلي إلى هذه التغيرات باعتبارها مكسبًا استراتيجيًا يقلص من التهديدات التي تمثلها التحركات الإيرانية في المنطقة، ومع ذلك، تُطرح تساؤلات حول دور تركيا، التي يُعتقد أنها ساعدت المعارضة السورية بشكل غير مباشر، رغم نفيها تقديم الدعم لجماعة «هيئة تحرير الشام».

ومع سقوط النظام، تواجه سوريا مستقبلاً محفوفًا بالتحديات، فـ«هيئة تحرير الشام»، التي تعود جذورها إلى تنظيم القاعدة، تسعى إلى إعادة تقديم نفسها كقوة وطنية، لكن ماضيها المليء بالصراعات العنيفة يثير قلقًا داخليًا وخارجيًا، ورغم اعتماد قادتها خطابًا أكثر تصالحية، تظل المخاوف قائمة حول نواياهم على المدى الطويل.

في الوقت ذاته، يخشى المراقبون من أن يؤدي انهيار النظام إلى فراغ في السلطة، ما يفتح الباب أمام حالة من الفوضى والصراعات الجديدة، وبين الأزمات الأمنية والتحديات الإنسانية المتفاقمة، يبقى السؤال المركزي: هل تمهد هذه التطورات الطريق لاستقرار جديد أم تضع سوريا أمام مرحلة أخرى من عدم الاستقرار والمآسي؟