في عصر سمته التغيير السريع والمستمر، تقف الصين كأكبر قوة صناعية على مستوى العالم، متفوقة بشكل غير مسبوق على الدول الكبرى.
ووفقًا للبيانات التي نشرتها إدارة الإحصاء التابعة للأمم المتحدة، سجلت الصين في عام 2022 ما نسبته 31.2% من إجمالي الإنتاج الصناعي العالمي، وهو ما يشير إلى الفارق الكبير بين الصين وبقية الدول الصناعية الكبرى، إذ تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بنسبة 16.3% فقط، ما يعكس أن الهيمنة الصينية في هذا المجال لا تزال تزداد اتساعًا عامًا بعد عام.
تطور طويل الأمد
لم يكن هذا التفوق الصيني في مجال التصنيع وليد اللحظة، بل نتاج تطور طويل الأمد واستثمار ضخم في هذا القطاع الحيوي على مدار عقود، ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تهيمن على القطاع الصناعي عالميًا لسنوات طويلة، استطاعت الصين أن تزيحها عن عرش التصنيع في عام 2010، لتستحوذ على المركز الأول بفارق شاسع، وتبدأ رحلة تحول اقتصادي واجتماعي غير مسبوق.
وتعكس الأرقام المتعلقة بإجمالي القيمة المضافة من قطاع التصنيع في الصين هذه الهيمنة بشكل واضح، حيث بلغ هذا الرقم أكثر من 5 تريليونات دولار في عام 2022 (حوالي 18.75 تريليون ريال سعودي)، مما يعكس ضخامتها الاقتصادية وطبيعة صناعاتها المتنوعة.
في الواقع، يشكل قطاع التصنيع نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، وهو ما يبرز الدور المركزي لهذا القطاع في الاقتصاد الصيني. بالمقارنة، أصبح الاقتصاد الأمريكي أقل اعتمادًا على التصنيع، إذ لم تتجاوز حصة التصنيع في الناتج المحلي الأمريكي 10% فقط في نفس العام، مما يعكس تراجع الدور الصناعي في الاقتصاد الأمريكي.
تنوع صناعي
ولا تقتصر قوة الصين الصناعية على حجم الإنتاج، بل تمتد إلى التنوع الكبير في الصناعات التي تضمها. فالدولة الأسيوية لا تعتمد فقط على إنتاج السلع التقليدية مثل المنسوجات والأثاث، بل تمتلك أيضًا صناعات متقدمة في مجالات الإلكترونيات، السيارات، الآلات الثقيلة، والمواد الكيميائية، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في معظم القطاعات الاقتصادية العالمية، كما أن القيمة المضافة في قطاع التصنيع الصيني وحدها تعادل تقريبًا مجموع الإنتاج الصناعي لأكبر سبع دول صناعية بعد الصين، وهو ما يظهر بوضوح حجم التفوق الصيني الذي لا يمكن تجاهله.
أما على مستوى بقية دول العالم، فاحتلت اليابان المرتبة الثالثة بحصة 5.3% من الإنتاج الصناعي العالمي، تليها ألمانيا بحصة 4.6%، ثم الهند بحصة 2.9%. أما كوريا الجنوبية فاحتلت المرتبة السادسة بحصة 2.6%، تليها المكسيك بحصة 1.9%.
في المقابل، حصلت روسيا على 1.8%، وإيطاليا 1.7%، وأخيرًا فرنسا 1.6%. ومن خلال هذه الأرقام، يمكن ملاحظة كيف أن الهيمنة الصينية على التصنيع لا مثيل لها، حيث تفوقت الصين على جميع هذه الدول بنسب ضخمة.
وفي ظل هذه الهيمنة الصناعية، تظل الصين قوة اقتصادية حاسمة في سلاسل الإمداد العالمية، كما يعكس هذا التفوق الصيني مدى تأثيرها الكبير على الاقتصاد العالمي، حيث لا تقتصر صناعتها على تلبية احتياجات السوق المحلي فقط، بل تمثل حجر الزاوية في إنتاج السلع والمنتجات التي تشكل قاعدة اقتصادات الدول الأخرى.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن استمرار هذا التفوق سيظل يعتمد على قدرة الصين على الابتكار واستمرار التقدم التكنولوجي، وهو أمر يُتوقع أن يتزايد في المستقبل، حيث تبذل الصين جهودًا كبيرة لتطوير صناعات جديدة ومتطورة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.