بينما يواصل الرئيس المنتخب دونالد ترامب مساعيه لتشكيل حكومته المقبلة، تتصاعد وتيرة المعارضة من داخل صفوف الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه، ما يضع اختياراته الوزارية تحت ضغط متزايد
حيث ارتفعت أصوات بارزة ومؤثرة من داخل الحزب، معترضة على بعض الترشيحات، في تحرك يحمل إمكانية إعادة صياغة موازين القوى الداخلية، مما يعكس صراعًا داخليًا متجذرًا يُلقي بظلاله على طبيعة العلاقة بين القيادة والجناحين اليميني والمعتدل، مهددًا بتفاقم الانقسامات التي قد تعيد تشكيل خارطة الحزب الجمهوري.
موركوفسكي وكولينز تقودان المعارضة
وتقود السيناتورة «ليزا موركوفسكي» من ألاسكا حملة اعتراض قوية على ترشيح «مات جايتس» لمنصب وزير العدل، الذي ترى أن اختياره «يفتقر إلى الجديّة المطلوبة»، مشددة على أن وزارة العدل تحتاج إلى قيادة تتسم بالكفاءة والخبرة لضمان نزاهة النظام القضائي واستقراره.
ويواجه مات جايتس، النائب الجمهوري السابق، اتهامات تتعلق بالاتجار الجنسي، بما في ذلك مزاعم بدفع أموال لقاصر مقابل السفر لعلاقات جنسية، إضافة إلى سوء السلوك الأخلاقي واستخدام غير قانوني للمخدرات، وفقًا لتحقيقات لجنة الأخلاقيات في الكونجرس.
وعلى جبهة مختلفة، أظهرت السيناتورة «سوزان كولينز» اعتراضًا كبيرًا على ترشيح «روبرت إف. كينيدي جونيور» لأي مناصب عليا، ورغم أن كولينز معروفة بمواقفها المعتدلة، فإنها لم تتردد في انتقاد ترشيح كينيدي، قائلة «منح منصب حساس لشخص يحمل آراء متطرفة بشأن اللقاحات قد يضر بمصداقية وزارة الصحة العامة ويؤثر سلبًا على ثقة الشعب فيها».
ويشتهر كينيدي بنشاطه في مجال الصحة العامة، لكنه أصبح أيضًا رمزًا لحركة مناهضة اللقاحات، فمواقفه المثيرة للجدل حولها، بما في ذلك ادعاءاته بوجود روابط بين اللقاحات وبعض المشكلات الصحية مثل التوحد، وعدّت كولينز أن دعم شخص «لديه مواقف متطرفة بهذا الشكل قد يضر بسمعة وزارة الصحة العامة»، مما يعكس قلقًا عميقًا من تأثير ترشيحه على الوحدة الوطنية في القضايا الصحية.
ورغم أن العديد من الدراسات العلمية والمنظمات الصحية العالمية، مثل منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها «CDC»، نفت بشكل قاطع الربط بين اللقاحات والتوحد، فإن كينيدي جونيور ما يزال يقود حركة تحاول نشر الشكوك حول سلامة اللقاحات.
صوت معتدل بين الجبهتين
وسط هذه العاصفة، يبرز السيناتور «جون كيرتس» من يوتا كصوت وسطي يدعو إلى تحقيق التوافق داخل الحزب، وفي تصريح متوازن، قال كيرتس، إن «الحكومة الفاعلة لا يمكن أن تُبنى على إرادة فردية. نحن بحاجة إلى توافق يشمل كافة الأطراف لضمان نجاحها».
ويمثل كيرتس رؤية الحزب التقليدية التي تسعى إلى تحقيق توازن بين الطموحات السياسية والرؤية المؤسسية، مسهمًا بدوره في تهدئة التوترات بين جناحي الحزب.
وعلى عكسه يبرز صوت السيناتور «جون كورنين»، من ولاية تكساس، كصوت يدعو إلى المساءلة والشفافية، وفي تعليق واضح، طالب كورنين بإجراء تحقيق كامل في الاتهامات الموجهة إلى مات جايتس، قائلًا إن «المساءلة ضرورية، وإذا ثبتت صحة أي اتهامات، فلا مكان لشخص يفتقر إلى النزاهة في الإدارة الجديدة».
وهو الأمر الذي يعكس أهمية القيادة الأخلاقية في وقت تواجه فيه الإدارة الجديدة تحديات مصداقية، ما يجعل دعوته نموذجًا للشفافية والمحاسبة السياسية.
أما السيناتور المخضرم «ميتش ماكونيل» من كنتاكي، فاختار نهج الحذر في التعامل مع الترشيحات المثيرة للجدل. مشددًا على أهمية التقييم الدقيق، حيث صرح قائلًا إن «اختيار المرشحين للمناصب الحساسة يتطلب دراسة متأنية لضمان الكفاءة والخبرة في مواجهة تحديات المرحلة المقبلة».
بهذا الموقف، يثبت ماكونيل أنه لاعب أساسي في إعادة ضبط بوصلة الحزب، وحريص على حماية مصالحه على المدى الطويل دون التضحية بالكفاءة المطلوبة في المناصب العليا.
المواجهة الحاسمة
مع توازن القوى داخل مجلس الشيوخ، تصبح الأصوات المعارضة الأربعة الكفيلة بإفشال أي ترشيح وزاري ورقة ضغط رئيسية في تشكيل حكومة ترامب المقبلة. هذه الديناميكية تضع مجلس الشيوخ في صدارة المشهد، حيث تدور المعركة الحاسمة بين تأكيد الترشيحات أو إفشالها.
الأمر الذي يجعل المشهد يتجلى كصراع معقد بين مبادئ الحزب الجمهوري التي تعكسها مواقف موركوفسكي وكولينز وكيرتس، وبين التحديات السياسية التي يحاول كل من كورنين وماكونيل مواجهتها بحكمة ومسؤولية.
هذا التباين بين الدفاع عن المبادئ المؤسسية ومواجهة الواقع السياسي الجديد يعكس معركة أكبر حول هوية الحزب الجمهوري ومستقبله. ومع اقتراب لحظة الحسم في مجلس الشيوخ، تتجه الأنظار إلى هذا الصراع الذي قد يُعيد رسم الخارطة السياسية للحزب بشكل جذري.