علوم

“بغمضة عين”: هكذا يعالج الدماغ البشري الجمل المكتوبة

تشير دراسة حديثة إلى أن الدماغ البشري يمتلك قدرة استثنائية على التعرف على البنية الأساسية للنصوص المكتوبة.. من مجرد نظرة سريعة، ما يفسر قدرتنا على استيعاب سيل المعلومات الذي تقدمه الهواتف الذكية. اكتشف العلماء أن الإنسان يستطيع استيعاب الهياكل الأساسية للجمل خلال 125 ميلي ثانية فقط، وهي سرعة تقترب من سرعة غمضة عين. يمكن لهذه النتائج أن تفتح أبوابًا لفهم كيفية معالجة الدماغ للغة وتشفيرها.. وتقديم رؤى جديدة عن الخصائص الفريدة للغة المكتوبة.

كيف يعالج الدماغ اللغة المكتوبة بسرعة؟

أجرى الباحثون تجارب على 36 متطوعًا لقياس نشاطهم الدماغي عند رؤية كلمات وجمل مكتوبة، مستخدمين تقنية غير جراحية تسمى التصوير المغناطيسي للدماغ. تم عرض جمل مكونة من ثلاث كلمات بسرعة، حيث كان على المشاركين تحديد إذا كانت الجملة التالية مشابهة للأولى.. أو تحتوي على تغيير بسيط. أظهرت النتائج أن الفص الصدغي الأيسر في الدماغ، المسؤول عن فهم اللغة، يُظهر نشاطًا أكبر للجمل المنظمة مقارنة بقوائم الكلمات غير المترابطة. هذا النشاط يظهر خلال 125 ميلي ثانية فقط.

قدرة الدماغ على تمييز الجمل المنظمة

وجد الباحثون أن الدماغ يستجيب بشكل أسرع للجمل التي تحتوي على هيكل واضح، مثل الفعل والفاعل والمفعول به، مقارنةً بالقوائم العشوائية. على سبيل المثال، استجاب المشاركون بسرعة أكبر لجمل مثل “المرضى ينظفون الجروح” مقارنة بجمل غير منظمة مثل “قلب، رئة، كبد”. ويشير هذا إلى أن الدماغ ليس فقط يستجيب لوجود الكلمات، بل يستخدم المعرفة السابقة لفهم المعنى الكلي للجملة.

كشف الأخطاء النحوية والمعاني غير المنطقية

لم يكن استيعاب الجمل السريعة مقتصرًا على الجمل الصحيحة فقط، بل استطاع الدماغ أيضًا تمييز الأخطاء النحوية والمعاني غير المنطقية. أظهرت الدراسة أن الدماغ استجاب بشكل سريع لجمل تحتوي على أخطاء في التوافق، مثل “المرضى ينظف الجروح” أو جمل غير منطقية مثل “الجروح تنظف المرضى”. يشير هذا إلى أن أدمغتنا تستخدم المعرفة المكتسبة لتحديد الجمل الصحيحة من حيث المعنى والقواعد.

اللغة المكتوبة وفهم الخصائص غير الصوتية

بحسب الدكتورة لينا بيلكانين، أستاذة علم اللغة في جامعة نيويورك، تساعد هذه الدراسة على فهم كيفية تمييز الدماغ للغة المكتوبة، وخاصةً في خصائصها التي لا ترتبط بالنطق. غالبًا ما يقيد الفم قدرتنا على فهم اللغة كهيكل كامل بسبب الحاجة إلى التفوه بالكلمات واحدًا تلو الآخر. لكن هذه الدراسة توضح كيف يستوعب الدماغ بنية الجمل المكتوبة من مجرد قراءة سريعة، دون الحاجة إلى تحويلها إلى صوت.

تطبيقات المستقبل وتوجهات البحث 

يخطط الباحثون لمتابعة هذه النتائج من خلال دراسة المزيد من أنواع هياكل الجمل.. التي يمكن للدماغ تمييزها بسرعة. كما يسعون إلى فهم العلاقة بين هذه الهياكل ونوعية الجمل التي يتعلمها الأطفال في مراحلهم الأولى. ويرغب الفريق في استكشاف إذا كان الدماغ يستخدم آليات مشابهة لمعالجة الصور البصرية.. مما قد يساهم في فهم أعمق للدماغ البشري.. وآلية معالجة النصوص والصور.

في النهاية

تبرز هذه الدراسة كيف يمتلك الدماغ البشري قدرة هائلة على تمييز وفهم بنية الجمل بسرعة فائقة، ما يجعلنا قادرين على التعامل مع المعلومات المكتوبة بكفاءة. تساعد هذه النتائج على فتح آفاق جديدة لفهم كيفية عمل الدماغ في تمييز اللغة، وتلقي الضوء على الخصائص الفريدة للغة المكتوبة التي تختلف عن اللغة المنطوقة. قد يكون لهذه الاكتشافات أثر كبير في تحسين فهمنا للغة والتعليم وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.