اقتصاد

الرأس تتغير والعربة تسير.. هل يتأثر الاقتصاد الأمريكي بهوية الرئيس؟

الرأس تتغير والعربة تسير.. هل يتأثر الاقتصاد الأمريكي بهوية الرئيس؟

على مدار السنوات الـ15 الماضية، حقق الاقتصاد الأمريكي أداءً جيدًا مقارنة بغيره من اقتصادات الدول الكبرى، حيث استطاع التغلب سريعًا على تداعيات جائحة كورونا، كما وفر ملايين الوظائف للمواطنين، وهو الأمر الذي يجب أن يجعل وعدًا مثل “تعظيم” الاقتصاد غير ذي أهمية مقارنة بالملفات الأخرى التي تنتظر الرئيس الجديد.

صحيح أن الملايين من الأمريكيين الذي ينتظرون الانتخابات الأمريكية التي ستنطلق 5 فبراير المقبل لتحديد رئيسهم المقبل، وتضع على نتيجتها آمالا اقتصادية واسعة، غير أن دراسة البيانات منذ عام 2009 تُظهر أنه بغض النظر عن من كان في السلطة، فإن الاقتصاد الأمريكي يتأثر بالأحداث العالمية والتطورات الديمغرافية التي تجري من حول الولايات المتحدة أكثر مما يتأثر بهوية الشخص الذي يدير البيت الأبيض، بمعنى أخرى لا يبدو أن “تغيير” السياسة الأمريكية من اليمين إلى اليسار قد يؤثر كثيرًا على اقتصادها.

فخلال الفترة من 2009 إلى 2024، التي شهدت تعاقب ثلاثة رؤساء مختلفين على الحكم، واجهت أمريكا اضطرابات اقتصادية رئيسية، تمثل أولها في الأزمة المالية التي بدأت قبل تولي أوباما منصبه في يناير 2009، وتسببت في مخاوف من انهيار النظام المصرفي بأكمله، وكان أخرها جائحة كوفيد-19، التي تجاوزتها الولايات المتحدة، بفضل التحفيز المالي الكبير جزئيًا، الذي مكنها من الخروج بسرعة من الركود الذي تسببت فيه الجائحة.

القياس الصعب

رغم ذلك يبدو صعبًا عند النظر إلى المثالين السابقين مقارنة أداء الرؤساء الثلاثة وتأثير سياساتهم خلال الـ15 سنة الأخيرة، بسبب الفجوة الزمنية اللازمة لظهور نتائج قراراتهم. إن الاستثمار في البنية التحتية أو الصناعات مثل صناعة الرقائق ضروري، ولكن الفوائد لا تُشعر بها إلا في المستقبل البعيد، وقد يؤدي تشديد الحدود مع المكسيك إلى منع بعض المهاجرين، ولكن تأثير نقص العمال يستغرق وقتًا حتى يؤثر على أسعار السوبر ماركت.

مشكلة أخرى تتمثل في تقييم تأثير الرؤساء بشكل منفصل عن القرارات التي يتخذونها مع صناع السياسات في الكونغرس أو المؤسسات المستقلة مثل مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

الناتج المحلي لا يتأثر بالرئيس

منذ عام 1990، نما الناتج المحلي الإجمالي للفرد الأمريكي كل عام باستثناء عام 2009، وكان ذلك تأثيرًا سلبيًا آخر للأزمة المالية. في العام الماضي، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للفرد في البلاد 81000 دولار أمريكي، في الوقت نفسه، فيما يتعلق بنسبة النمو السنوية للفرد، حققت الصين والهند نموًا أقوى. وعلى الرغم من هذا المعدل الأعلى للنمو، لا يزال الناتج المحلي الإجمالي للفرد في أمريكا أعلى بثلاثة أضعاف من الصين وثمانية أضعاف الهند.

في عام 2023، بلغ الناتج المحلي الإجمالي الكلي لأمريكا 27.36 تريليون دولار أمريكي، مما يجعلها أكبر اقتصاد في العالم دون منازع، وحلت الصين في المركز الثاني بفارق كبير عند 17.66 تريليون دولار، تلتها ألمانيا واليابان.

في الأشهر القليلة الأولى من رئاسة أوباما، ارتفع معدل البطالة بسبب الأزمة المالية، فمن أبريل 2009 إلى سبتمبر 2011، كان معدل البطالة 9٪ أو أكثر، ثم بعد ذلك، انخفض معدل البطالة ببطء حتى وصل إلى أدنى مستوى له منذ الستينيات، قبل ارتفاعه لفترة قصيرة خلال جائحة كوفيد-19، مما أدى إلى فقدان العديد من الوظائف. هذا العام، يتراوح معدل البطالة حول 4٪.

من ناحية أخرى، فإن العمال الأمريكيون أكثر إنتاجية من العمال في الدول الأخرى بفضل الابتكار والإنفاق على البحث والتطوير واستعداد العمال لتغيير الوظائف أو الانتقال.

أن تصبح مليونيرًا أو تعيش في فقر مدقع

على الجانب الآخر، فإن واحدة من الظواهر التي تفاقمت في الولايات المتحدة هي عدم المساواة في الأجور، حيث أصبحت البلاد الأكثر تفاوتًا في الدخل بين دول مجموعة السبع

وتتركز ثروة البلاد في أيدي نسبة ضئيلة من السكان، حيث يمتلك أعلى 1% من الأمريكيين حصة هائلة من الثروة الوطنية، ولكي تتواجد ضمن قائمة أعلى 1% من أصحاب الدخول في الولايات المتحدة، فإن ذلك يتطلب أن تحصل الأسرة سنويًا على دخل يبلغ حوالي مليون دولار قبل الضرائب، أما في المملكة المتحدة، فيكفي أن يكون دخل الأسرة السنوي حوالي 250 ألف دولار.

وفي رسالة مفتوحة نشرتها مجلة “إيكونوميست” في أكتوبر 2016، كتب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن رواتب مديري الشركات الأمريكية كانت تفوق متوسط رواتب موظفيها بأكثر من 250 مرة.

وأشار إلى أنه في عام 1979، كانت نسبة الدخل بعد الضرائب التي تذهب إلى أعلى 1% من الأسر الأمريكية تبلغ 7%، لكن بحلول عام 2007، ارتفعت هذه النسبة إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 17%. وعلى الجانب الإيجابي، انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع.

الهجرة تغير أمريكا

من الأشياء الأخرى التي ارتكن عليها دونالد ترامب للنيل من سياسات الليبراليين الاقتصادية، هو ملف المهاجرين الذي ادعى ترامب أن يأخذ من الناتج المحلي ومن حصة المواطن فيه لصالح الوافدين، ورغم أنه من الصعب قياس الهجرة غير النظامية إلى الولايات المتحدة، فإن أمريكا منحت في الفترة من 2009 إلى 2022، 14 مليون بطاقة خضراء للهجرة إليها.

ووفقًا لتقرير أصدرته إدارة مكتب الإحصاء الأمريكي في أبريل، نما عدد السكان من غير المواطنين المقيمين في أمريكا، قانونيًا أو غير ذلك، بشكل كبير على مدار الخمسين عامًا الماضية من حيث الحجم وحصة السكان.

في عام 1970، كان هناك 9.6 مليون مقيم من غير المواطنين. بحلول عام 2022، كان هناك أكثر من 46 مليونًا، أو ما يقرب من 14٪ من إجمالي السكان.

من الإجمالي العام، جاء ما يقرب من ثلث سكان البلاد من غير المواطنين إلى الولايات المتحدة في عام 2010 أو بعده، ويعيش نصفهم في أربع ولايات فقط: كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا ونيويورك. أصبح أكثر من نصفهم مواطنين.

التضخم يصل بلاد العم سام

مسألة اقتصادية أخرى، يتفرق دمها بين رؤساء أمريكا المختلفين، هي التضخم الذي ارتفع بشكل كبير منذ 2009، وفقًا لمؤشر أسعار المستهلك.

عندما تولى أوباما منصبه، كان التضخم عند الصفر، ودخل في المنطقة السلبية ثم ارتفع إلى مستوى عال بلغ 9.1٪ في يونيو 2022. في سبتمبر الماضي، انخفض إلى 2.4٪، وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2021.

هذه الفترة القصيرة نسبيًا للتضخم المرتفع أدت إلى زيادة كبيرة في تكلفة المعيشة بالنسبة للعديد من الأمريكيين.

وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار، وهو أمر لا يرضى عنه الناخبون بالطبع، ويجعله واحدًا من أهم القضايا هذا العام التي يمكن أن تقرر الانتخابات في الولايات المتأرجحة، فإنها أيضًا واحدة من أصعب الأشياء التي يمكن للرئيس التحكم فيها.