عام كامل مر على الحرب في غزة تغيرت فيه الأوضاع داخل الشرق الأوسط، ليُصبح العودة إلى ما قبل الصراع أمرًا مستحيلًا وسط تصاعد الصراعات في المنطقة.
ولم تقتصر التغييرات على غزة والأراضي المحتلة من إسرائيل فقط، ولكن الأمر شمل جنوب لبنان أيضًا وهو ما أشار إلى توسع دائرة الاضطرابات التي لم يشهدها الصراع العربي الإسرائيلي قبل نحو 50 عامًا.
ويوم بعد يوم ترتفع التكلفة المدنية لهذا الصراع في أكثر من جبهة، وخلقت فوضى في ظل غياب الدبلوماسية التي يمكنها أن تمنع تفاقم الأوضاع.
تغيير البنية السياسية
قبل 7 أكتوبر، كانت المنطقة على وشك أن تشهد تغيرات كبيرة وسط المساعي الأمريكية لدفع عجلة التطبيع مع الاحتلال إلى الأمام مع الدول العربية.
ولكن الهجمات التي شنتها حماس على الأراضي المحتلة في هذا اليوم والتي اخترقت حصون المستوطنات التي دشنتها سلطات الاحتلال، جاءت لتقطع الطريق على أي أمل في تطبيع شامل من الكيان المحتل.
وحاول الاحتلال تصوير هذا الهجوم على أنه الأسوأ في تاريخه، وادعى وجود مجازر بحق الأطفال واغتصاب للنساء وهو أمر لم تثبُت صحته حتى الآن.
وعلى مدى العام الماضي، بذلت إسرائيل جهدً كبيرًا لإبقاء العالم محط أنظاره بشأن تلك الأحداث التي غيرت مجرى الحياة في الأراضي المحتلة.
ومع هذه الأحداث، تلاشت فكرة الملاذ الآمن التي تصورها قيادة الاحتلال منذ عشرات السنوات، وأدرك المستوطنون الإسرائيليون أن توفير الأمان في وطنهم المزعوم لن يتحقق وسط الاضطرابات والاضطهادات التي يعانون منها.
وعلى مدار عام كامل لم يتمكن الاحتلال ممن استرجاع الرهائن المحتجزين لدى حماس في غزة وهم 100 متبقيين من 250 تم اختطافهم في هذا اليوم، كما أنه لم يتمكن من استعادة الآمن، بل على العكس فتح جبهات جديدة لصراعه.
صراع طويل الأمد
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعتقد أن عملية القضاء على حماس واقتلاعها من جذورها واستعادة الرهائن سيكون سريعًا، ولكن الأمر لم يسر وفق أهوائه.
وبمرور الوقت الذي يتزايد قصف الاحتلال على منازل المدنيين في قطاع غزة مخلفًا ما يقرب من 42 ألف قتيل، اكن الغليان يتصاعد أيضًا في الداخل الإسرائيلي.
ونظم أهالي الرهائن احتجاجات طالبوا فيها باستعادة الرهائن والموافقة على صفقة مع حماس برعاية وسطاء من مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن كبرياء نتنياهو كان أكبر من الانصياع لمثل هذه المطالب، وبلغت تخوفاته من محاكمة محتملة بحقه إذا لم يصل إلى ذروة أهدافه، وقرر بدلًا من إنهاء الصراع، تأجيجه وفتح جبهات جديدة في لبنان وإيران.
من ناحية أخرى، شهدت العلاقات بين الاحتلال وحليفه الأكبر الولايات المتحدة تراجعًا هو الأدنى منذ جيل تقريبًا، رغم أن آلة القتل الإسرائيلية في غزة تتغذى على الأسلحة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن واشنطن تتشدق دائمًا بحمايتها المستمرة لإسرائيل ومساعداتها التي لن يوقفها أن هزة في العلاقات بينهما، بدأ حلفاء الاحتلال الأوروبيين في اتخاذ خطوة للوراء والحد من إمدادات الأسلحة.
ولكن هذه المحاولات الأوروبية للضغط على الاحتلال من أجل التراجع عن رغبته في الانتقام والثأر لكرامته، فشلت فشل ذريعًا وباتت إسرائيل مثل الوحش الذي تحرر من قيوده.
حرب متعددة الجهات
دخلت إسرائيل مع حزب الله، وكيل إيران الأبرز في المنطقة، حربًا متصاعدة منذ أن بدأت الجماعة اللبنانية المسلحة في شن هجماتها تضامنًا مع حماس في 8 أكتوبر.
وخلال الأسابيع الماضية، كثف الاحتلال من هجماته على مقرات حزب الله في جنوب لبنان، ما أسفر عن خسائر ضخمة للجماعة كان أبرزها اغتيال زعيمها حسن نصر الله.
وفتح ذلك الباب لإيران لشن ضربة بـ181 صاروخًا باليستيًا على الأراضي المحتلة، ردًا على مقتل نصر الله، ثم أعقبته إسرائيل باجتياح بري لجنوب لبنان للقضاء على حزب الله.
ومن هنا تزايدت المخاوف من جر المنطقة لحرب شاملة قد تتدخل فيها أطراف أخرى، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية حليفة الاحتلال.
على الجانب الآخر كان الحوثيون وهم أقلية في اليمن، على خط الحرب أيضًا، ووجهوا صواريخهم وطائراتهم بدون طيار منذ 7 أكتوبر إلى العمق الإسرائيلي، كما عطلّوا حركة الملاحة في البحر الأحمر أمام السفن التابعة لإسرائيل.
كما استجابت وكلاء طهران الشيعة في العراق لدعواتها وبدأوا في تصعيد الهجمات بالطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وبات الأمر في صورة حرب متعددة الجبهات، وتتصاعد بوتيرة أسرع مما كان يبدو ممكنا قبل عام من الآن.
الحياة داخل الأراضي المحتلة
لم يكن المستوطنون الإسرائيليون معتادون على دوي صافرات الإنذار في حياتهم اليومية، أو فحص هواتفهم ن حين لآخر للاطمئنان على أبنائهم، أو تلقي استدعاء للانضمام للجيش.
ولكن منذ 7 أكتوبر تبدلت الأحوال، وباتت تلك الأشياء طبيعية، ولكن في نفس الوقت تزايد الانقسام بين الإسرائيليين حول المدة التي ينبغي أن تستمر خلالها الحرب.
ويخشى الكثيرون أنه كلما طال أمد التصعيد، كلما قلت سيطرة البلاد ورئيس وزرائها على النتيجة.
ويسعى اللاعبون الإقليميون الأساسيون في المنطقة حاليًا ومن بينهم المملكة، لإقناع إسرائيل بمخرج دبلوماسي، مؤكدة أن إنهاء الصراع الحالي مرهون بمنح الفلسطينيين دولة مستقلة على حدود 67.
ولكن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة ترى أن هذه الخطوة بمثابة لعنة على الاحتلال، وأن أي جهد تجاه تحقيقها بمثابة تنازل عن حق من حقوق إسرائيل.
وبشكل عام، وفي غياب أي محادثات مستمرة للتوصل إلى اتفاق بشأن وقف الحرب وإعادة السلام للمنطقة، تسيطر حالة من عدم اليقين مستقبل المنطقة.
المصدر: CNN