بعد نحو عقدين من المحاولات الفاشلة لاغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تمكن الاحتلال الإسرائيلي من مقتله يوم الجمعة الماضي.
ومنذ عام 2006، خفقت جميع المحاولات الإسرائيلية لاختراق الحواجز الخرسانية في المخابئ التي يتواجد بها نصر الله تحت الأرض.
ولكن في العملية الأخيرة، ألقت قوات الاحتلال ما يقرب من 80 قنبلة على مقر نصر الله للتأكد من مقتله، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
ولكن ما الذي أنجح المحاولة الأخيرة؟
في الوقت الذي تتفاخر فيه إسرائيل بنجاحها في اغتيال نصر الله، لا يمكن اعتبار أن جهودها العسكرية وحدها هي من كانت سببًا في ذلك.
وما يؤكد الأمر هو أن الاحتلال طوال 4 عقود كان يسير في مسار واحد لم يتغير إلا مؤخرًا.
ولذلك فيمكن اعتبار أن العامل الأهم في نجاح اغتيال نصر الله ومن قبله فؤاد شكر وغيرهم من قادة الجماعة اللبنانية المسلحة، هو التطور في المعلومات الاستخباراتية التي تم جمعها خلال الشهرين الماضيين عن حزب الله.
وعلى مدار العقدين التاليين لعام 2006، بدأت دولة الاحتلال في إعادة جمع بيانات ورسم خريطة للجماعة المسلحة ومقرها جنوب لبنان المتاخم للحدود الشمالية للأراضي المحتلة، وذلك من خلال وحدة الاستخبارات الإشارية المتطورة 8200.
وبدلًا من تركيز الاحتلال على الجانب والقدرات العسكرية للجماعة اللبنانية التي استنزفتها طوال فترة احتلالها لجنوب لبنان، بدأت في النظر إلى طموحاتها السياسية واتصالاتها مع الحرس الثوري الإيراني وعلاقة نصر الله ببشار الأسد.
ونظرت إسرائيل إلى حزب الله باعتباره جيشًا إرهابيًا وليس جماعة إرهابية تعيش في المخابئ على غرار أسامة بن لادن.
وهذا التغير في المفاهيم جعل الاحتلال ينظر إلى حزب الله بطريقة مختلفة، ودفعه لدراستها بمزيد من التركيز وعن قرب.
ومع تنامي قوة حزب الله، بما في ذلك في عام 2012 عندما أرسل قواته إلى سوريا لمساعدة الأسد في قمع الانتفاضة المسلحة ضد دكتاتوريته، فقد أعطى ذلك إسرائيل الفرصة لاتخاذ إجراءاتها.
وبدأت في التركيز على جمع المعلومات الاستخباراتية كافة عن المسؤولين عن العمليات داخل الجماعة اللبنانية، وجميع التفاصيل الأخرى الخاصة بأعضائها مهما كانت بسيطة.
ثغرة الجواسيس
على الجانب الآخر، كان مقاتلو حزب الله يكتسبون خبرة كبيرة من خلال مشاركتهم في الحرب السورية، وهو ما جعل في نفس الوقت الجماعة عُرضة أكثر للتجنيد والذي فتح الباب للجواسيس الإسرائيليين الذين ينشرون العملاء أو يبحثون عن منشقين محتملين.
وتقول مديرة البرامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، راندا سليم، إن سوريا كانت نقطة انطلاق حزب الله نحو مزيد من التوسع، ما أضعف الرقابة الداخلية وخلق ثغرات يمكن من خلالها التسلل على مستوى كبير.
كما خلقت الحرب في سوريا نافورة من البيانات، وكان معظمها متاحا للعامة لكي يتمكن جواسيس إسرائيل ــ وخوارزمياتهم ــ من استيعابها.
وكمثال تضمن النعي الذي كانت تنشره الجماعة لقاتليها وأعضائها العديد من التفاصيل الصغيرة والمعلومات عن حياتهم ومنها مسقط رأسهم، وأماكن قتلهم إلى جانب أصدقائه الذين بتفاعلون على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت الجماعة بدون أن تعي حجم الأمر، تُخرج بعض كبار القادة إلى النور حتى ولو لفترة مؤقتة.
ويرى بعض الخبراء أن هذا الانفتاح كان ثمنًا لمعاونة بشار الأسد في حربه، إذ سمحوا بتبادل المعلومات مع النظام السوري وكذلك مع أجهزة الاستخبارات الروسية.
ويقول الزميل الزميل البارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، يزيد صايغ، إن هذا التنازل من أجل الأسد سمح بدخول أعداد أكبر من الناس إلى الجماعة، ما أدى إلى ضعفها.
وكان هذا بمثابة انحراف عن المسار الذي سلكته مجموعة كانت تفتخر بقدرتها على صد القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية المزعومة في لبنان.
تقنيات حديثة
خلال السنوات الأخيرة، تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من خلال تقنيات حديثة التوصل إلى مكان نصر الله الذي كان يعيش ف شبكة أنفاق ومخابئ تحت الأرض.
وبحسب مسؤولين إسرائيليين، خلال الأيام الأول التي أعقبت هجوم 7 أكتوبر، خرجت طائرات إسرائيلية لضرب مكان قالت إنه مقر حسن نصر الله، ولكن تم إلغاء العملية بناء على طلب من البيت الأبيض.
ولكن إسرائيل تمكنت مرة أخرى يوم الجمعة الماضية من تحديد مكان نصر الله، حيث كان يحضر اجتماعًا مع كبار قادة الحزب وقائد الحرس الثوري الإيراني.
وفي نيويورك، أُبلغ نتنياهو على هامش خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رفض فكرة وقف إطلاق النار مع حزب الله وتعهد بمواصلة الهجوم الإسرائيلي.
وقال شخص مطلع على الأحداث إن نتنياهو كان على علم بعملية قتل نصر الله قبل أن يلقي خطابه.
وبينما يقول نتنياهو إنهم سيواصلون عملياتهم لتطهير المنطقة العازلة في الشمال من الأراضي المحتلة، يقول مراقبون إن حزب الله لم ينته بعد ومازال لديه الكثير من القدرات التي تشكل تهديدًا لإسرائيل.
المصدر: AFR