تقنية

الغواصة “تيتان”.. ألغاز لا زالت تحيط بالكارثة

الغواصة "تيتان".. ألغاز لا زالت تحيط بالكارثة

يعقد خفر السواحل الأمريكي، غدًا الإثنين، جلسة استماع لفحص أسباب كارثة الغواصة تيتان والتي وقعت العام الماضي في أعماق المحيط الأطلسي.

وكان من المفترض أن تكون رحلة الغواصة التابعة لشركة “أوشن جيت” بمثابة رحلة العمر، قبل أن تُصاب بعطل مفاجئ خلال تواجدها في الأعماق، ما أسفر عن مقتل جميع من عليها.

وسيحاول خفر السواحل الوقوف على أبرز الأسباب التي أدت إلى غرق الغواصة، بما فيها التصميم غير التقليدي للغواصة وتجاهل تحذيرات السلامة والافتقار إلى التنظيم في الأعماق.

وكانت رحلة الغواصة بالأساس تقوم على الغوص لاستكشاف حطام السفينة تيتانك التي غرقت أوائل القرن الماضي، ولكنها فشلت في العودة إلى السطح، إذ انفجرت بعد ساعة و45 دقيقة فقط من غوصها.

وكان على متن الغواصة كل من: الرئيس التنفيذي لشركة أوشن جيت ستوكتون راش، والمستكشف البريطاني هاميش هاردينج، والغواص الفرنسي المخضرم بول هنري نارجوليت، ورجل الأعمال البريطاني الباكستاني شاهزادا داود، وابنه سليمان البالغ من العمر 19 عامًا.

الغواصة "تيتان".. ألغاز لا زالت تحيط بالكارثة
جانب من أعمال انتشال بقايا الغواصة تيتان

وهناك عدة أسئلة مطروحة لا زالت تبحث عن إجابة حول تلك الكارثة وهي:

هل أدرك الركاب مصيرهم الوشيك؟

كانت الغواصة تيتان تتمتع بنظام مراسلة نصية يمكنها من خلال التواصل مع سفينة الدعم الرئيسية “بولار برينس”، ويمكن للتحقيقات أن تكشف فحوى هذه المراسلات إن وجدت.

كما أن الغواصة كانت تحتوي على جهاز مراقبة صوتي، وهو مخصص لتلقي الإشارات عند حدوث أي خلل على متنها سواء كان كسر أو انبعاج.

ويقول أحد أبرز مستكشفي البحار، فيكتور فيسكوفو، إن ستوكتون راش كان متأكدًا من أن أي خلل سيحدث في الغواصة سيتم تلقي تحذيرًا صوتيًا عنه من خلال النظام.

ولكن فيسكوفو يقول إنه حتى وإن حدث ذلك، فالوقت المتاح لتلافي هذا الضرر سيكون غير كافي، وأن الأمر كله متعلق بمدى السرعة التي سيحدث بها التحذير.

ولذلك فإن الموجودين على متن الغواصة ربما لم يعرفوا بالخطر الوشيك إذا لم يتلقوا تحذيرًا قبلها وحدث الانفجار بشكل مفاجئ.

ما هي منطقة الخلل؟

خلال المعاينة التي قام بها خبراء الطب الشرعي للغواصة، اتضح أنه كان هناك عدة مشكلات تتعلق بالتصميم.

فوفق الشركة المصنعة كانت تيتان مصنعة بغرض الغوص على عمق 1300 متر، ولكن خلال الحادثة غاصت المركبة لثلاثة أضعاف هذا الرقم.

من ناحية أخرى اتخذ هيكل الغواصة تيتان شكلًا اسطوانيًا، على عكس جميع الغواصات الأخرى التي يتم تصميمها بشكل كروي وهو ما يساعد على توزيع الضغط الساحق في الأعماق بالتساوي.

كما تم تصنيع هيكل الغواصة من ألياف الكربون، وهي مادة غير تقليدية للسفن التي تعمل في أعماق البحار، إذ تُستخدم عادة مادة التيتانيوم التي لها خصائص تمكنها من تحمل الضغط الكبير.

وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة Triton Submarines، باتريك لاهي، وهي إحدى الشركات الرائدة في تصنيع الغواصات، فإن أداء ألياف الكربون تحت سطح البحر لا يمكن التنبؤ به.

وقال إن ألياف الكربون كانت تتعرض للضغط والتلف في كل مرة تغوص السفينة فيها، وهو ما تسبب في ضعف الهيكل.

وكانت الغواصة تمتلك أيضًا وصلات غير تقليدية، إذ تم ربط ألياف الكربون بحلقتين من التيتانيوم وهو ما خلّف نقاط ضعف.

ويقول لاهي إن كل تلك الاختلافات عن المعتاد في صناعة الغواصات التجارية جعل من غواصة “أوشن جيت” استثناءً.

الغواصة "تيتان".. ألغاز لا زالت تحيط بالكارثة
تصميم هيكل الغواصة تيتان

هل تشتت أصوات المحيط عمليات البحث؟

في أعقاب اختفاء السفينة، تم إرسال السفن والطائرات والمركبات التي يتم التحكم فيها عن بُعد إلى المحيط الأطلسي في محاولة للعثور على تيتان.

وبعد يومين، التقطت أجهزة السونار الموجودة على متن طائرة البحث أصواتًا قادمة من المحيط، ولكن بمجرد اتباع المصدر لم يتم العثور على شيء، ولم يتضح حتى الآن طبيعة هذه الأصوات.

ولكن البحرية الأمريكية قالت في اليوم الذي تم العثور فيه على تيتان، إن جهاز السونار الخاص بها رصد إشارة صوتية تُشبه عملية الانفجار الداخلي.

ولكن لا توجد معلومات واضحة حول الوقت الذي رصدت فيه البحرية الأمريكية تلك الإشارة، وما إذا كان تم إبلاغ سفينة الدعم الخاصة بالغواصة بذلك.

وفي نهاية المطاف عادت روبوتات أعماق البحار إلى المكان الذي اختفت فيه تيتان، وتم العثور على حطامها.

ما هي أسباب تجاهل “أوشن جيت” للمخاوف المتعلقة بالسلامة؟

كان غوص الغواصة تيتان محفوفًا بالقلق من قبل الكثيرين، وأحدهم فيكتور فيسكوفو الذي شارك صديقه هاميش هاردينغ، أحد الخمسة الذين لقوا حتفهم، بشكوكه ومخاوفه.

وقال فيسكوفو إنه نصحه بكل صراحة بعدم الصعود على متن الغواصة.

كما تم نقل المخاوف بشأن السلامة بشكل مباشر إلى شركة Oceangate – بما في ذلك من قبل المدير السابق للعمليات البحرية في الشركة، ديفيد لوخريدج، الذي قام بتقييم الغواصة أثناء تطويرها.

وتظهر وثائق خاصة بالمحكمة الأمريكية في عام 2018، أن الافتقار إلى الاختبارات يجعل أي غواصة تجريبية عُرضة للخطر الشديد.

وقال مهندسون من جمعية التكنولوجيا البحرية أيضًا إن النهج التجريبي لشركة Oceangate قد يؤدي إلى “نتائج سلبية (من طفيفة إلى كارثية)” في رسالة مشتركة مع Stockton Rush.

وكان المتخصص في أعماق البحار روب ماكالوم نصح راش في رسائل عبر البريد الإلكتروني قبل الرحلة، بأن الغواصة غير قادرة على الغوص العميق بما يهدد حياة الركاب.

وكان رد راش بحسب ما نقلته شبكة “بي بي سي”، أنه سئم من استغلال معايير السلامة في صناعة الغواصات كحجة لعرقلة الابتكار، رافضًا المخاوف المتعلقة بأنه قد يقتل شخصًا في تلك الرحلة.

ولأن راش لم يعد موجودًا، فإن الإجابة على السؤال المتعلق بأسباب تجاهل تلك التحذيرات ستظل لغزًا.

تيتان خلال رحلة غوص سابقة

لماذا سمحت السلطات لتيتان بالغوص؟

أحيانًا يمكن أن تلجأ بعض الشركات المصنعة للغواصات لإجراءات أكثر تكثيفًا في تقييم سلامة مركباتها، من خلال منظمات بحرية مستقبلة ومتخصصة مثل مكتب الشحن الأمريكي (ABS) أو DNV (منظمة اعتماد عالمية مقرها النرويج).

ولكن شركة “أوشن جيت” قررت عدم إخضاع شركة Titan لهذه العملية.

وكان التقييم سيؤكد ما إذا كانت السفينة – بدءاً من تصميمها وحتى بنائها واختبارها وتشغيلها – تلبي معايير معينة.

وهذا الأمر ليس إلزاميًا، ولكن عادة ما يلجأ إليه معظم المشغلين، ولكن راش قال في منشور على مدونته في 2019 إن تلك الإجراءات تعطل الابتكار خصوصًا وأن مركبتهم تجريبية.

وفي تبادل للرسائل الإلكترونية مع روب ماكالوم، قال إنه لا يحتاج إلى قطعة من الورق لإثبات أن تيتان آمن، وأن بروتوكولاته الخاصة و”الموافقة المستنيرة” من الركاب كانت كافية.

دفع الركاب على متن تيتان ما يصل إلى 250 ألف دولار مقابل مكان. وكان عليهم جميعًا التوقيع على تنازل عن المسؤولية.

المصدر: BBC