شهد يوم الثلاثاء الماضي تطورًا جديدًا في مسار الصراع الروسي الأوكراني، إذ وجهت الولايات المتحدة الأمريكية تهمة جديدة لروسيا وإيران، قائلة أن الكرملين تلقى صواريخ باليستية إيرانية للمرة الأولى ويمكن أن يستخدمها ”في غضون أسابيع“ في الحرب في أوكرانيا – وهو ما وصفه كبير الدبلوماسيين الأمريكيين بـ”التصعيد الدراماتيكي“.
وقد أدانت واشنطن وحلفاؤها في أوروبا هذه الخطوة المزعومة، التي نفتها إيران، لكنها مثلت على ما يبدو لمحة عن التفكير التكتيكي لموسكو، وربما أشارت بحسب خبراء لبعض التحديات الأعمق في القدرات التي تواجهها آلة الحرب في الكرملين، وطرحت تساؤلات عن الأسباب التي أدت بروسيا إلى اللجوء لمثل هذه الصواريخ
أسباب لجوء روسيا للصواريخ الإيرانية
مسؤولون أمريكيون قالوا إن الصواريخ التي وصلتهم معلومات بنقلها إلى روسيا هي صواريخ “فتح 360″، وأشاروا إلى أن هذه الصواريخ يبلغ مداها 75 ميلاً، متوقعين أن تستخدم في ضرب الأهداف الأوكرانية القريبة، مما يسمح لروسيا ”بالحفاظ على صواريخها بعيدة المدى لاستخدامها في ضرب الأهداف الأبعد، وبالتالي تعميق ترسانة روسيا، ومنحها القدرة على ضرب أنواع الأهداف التي رأيناها تضربها، لتشمل أهدافاً مدنية“، على حد تعبير السكرتير الصحفي للبنتاغون اللواء بات رايدر.
يتفق مع هذا الطرح الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط جان لوب سمعان
ففي تصريحات لموقع ”بريكينغ ديفنس“ قال سمعان: ”على مدى العقدين الماضيين، أنتجت إيران واحدة من أكثر الترسانات الباليستية تطوراً، ومعظمها إما قصيرة أو متوسطة المدى”
وأضاف: ”أفترض أنها بالنسبة لروسيا ذات صلة بنوع المعارك التي نراها في المنطقة الحدودية بين القوات الروسية والأوكرانية، لذا على المستوى التكتيكي سيتم استخدامها لإنهاك الأوكرانيين“.
لكن سمعان قال إن تواصل موسكو مع إيران قد يكون أحدث دليل على مشاكل الإنتاج الداخلي.
واستطرد: ”قد يشير أيضًا، كما هو الحال مع استعانة روسيا بأسلحة من كوريا الشمالية، إلى أن صناعة الدفاع الروسية تكافح من أجل مواكبة إنتاج الأسلحة التي تستخدمها القوات الروسية“.
مدى كفاءة الصواريخ الإيرانية
ورغم الرفض الغربي الشديد للصفقة المزعومة ما بين إيران وروسيا، فقد يكون لدى الكرملين ما يدعو للقلق بشأن فعالية الصواريخ الإيرانية، خاصة بعد أن تمكنت إسرائيل وحلفاؤها من إسقاط جميع التهديدات التي أطلقت باتجاه إسرائيل منتصف أبريل الماضي
لكن بهنام بن طالبلو من مركز أبحاث مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أكد في تصريحات صحفية “إن هذا ليس مثالًا دقيقًا كما قد يبدو”.
وقال بن طالبلو لموقع ”بريكينغ ديفنس“: ”إن صاروخ فتح 360 هو أحد مشتقات الصواريخ الباليستية الإيرانية الأكثر دقة، وهي عائلة صواريخ فاتح الباليستية قصيرة المدى ذات المرحلة الواحدة التي تعمل بالوقود الصلب.
وأضاف ”إن معظم ما أطلقته إيران في 13 أبريل هو صواريخ باليستية متوسطة المدى تعمل بالوقود السائل لم يسبق استخدامها في العمليات العسكرية الإقليمية. هناك فرق كبير بين سجلات مسار هذين النظامين”
وأكد بن طالبلو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبحث في الوقت الحالي عن الخيارات الجيدة، لا الخيارات المثالية
في ذات السياق، وفي تحليل استراتيجي، كتب “كان كاسابوغلو” الباحث في معهد هدسون أن صاروخ فتح-360 هو ”صاروخ باليستي تكتيكي تقليدي“
وأضاف: ”دورة الإطلاق السريعة للصاروخ وتكلفته المنخفضة تجعله خياراً مناسبًا للروس، خاصة عند إطلاقه في قذائف“.
العقوبات والشكوك
من جهتها ورداً على النقل المزعوم للصواريخ الإيرانية إلى روسيا، أعلنت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة أنها ”ستتخذ خطوات فورية لإلغاء اتفاقيات الخدمات الجوية الثنائية مع إيران“، بالإضافة إلى فرض عقوبات جوية على إيران والكيانات والأفراد المتورطين في برنامج الصواريخ الإيرانية، وهي العقوبات ذاتها التي هددت واشنطن بفرضها على طهران.
وعلى الرغم من أهمية العقوبات وتأثير إلغاء العلاقات الاقتصادية، إلا أن كثير من الخبراء قالوا إنهم لا يعتبرونها كافية لردع طهران.
فبحسب بن طالبلو: ”أدت العقوبات في بعض الأحيان إلى إبطاء البرامج النووية والباليستية الإيرانية ولكن على مدى العقود الماضية، وجد الحرس الثوري الإيراني دائمًا طرقًا للالتفاف على تلك العقوبات، كما أن اعتمادهم على شركاء آسيويين مثل كوريا الشمالية، يضعف من تأثير العقوبات“.
واستطرد بن طالبلو: ”رغم كل شيء، يمكن أن تكون هذه العقوبات، بمثابة لبنة في بناء سياسة أوروبية أكثر تماسكًا تجاه طهران إذا ما اقترنت بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة“.
وبغض النظر عن العقوبات، يبدو أن علاقات روسيا مع إيران تزداد قوة. وقد صدرت عن الجانبين العديد من التصريحات التي تفيد بأنهما على وشك توقيع ”اتفاقية دفاعية شاملة“ لتعزيز التعاون العسكري بينهما، ويرجع خبراء ومحللين عسكريين وسياسيين الدعم الإيراني الكبير للروس، إلى رغبة إيران في التزود بأنظمة دفاع جوي روسية متقدمة لمواجهة التهديدات الإسرائيلية، ما قد تقدمه موسكو لطهران كمكافأة على دعمها طوال فترة الصراع الروسي الأوكراني!