انطلقت الانتخابات العامة في بريطانيا، اليوم الخميس، وسط ترقب لما سيؤول إليه الاستحقاق الذي دعا له رئيس الوزراء ريشي سوناك في وقت سابق الشهر الماضي.
وتذهب التوقعات إلى أن الانتخابات التي يتم وصفها بـ “التاريخية” ربما ينتج عنها حكومة من حزب العمال، لتطيح بـ14 عامًا من حكم المحافظين.
العملية الانتخابية
لفهم الطريقة التي تسير بها الانتخابات العامة في بريطانيا، لا بد من إلقاء نظرة على تقسيم المملكة المتحدة.
وتُقسم المملكة المتحدة التي تضم إنجلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية إلى 650 دائرة انتخابية، وهي مناطق انتخابية جغرافية.
ويترشح المرشحون للانتخابات كأعضاء في الأحزاب السياسية وأبرزها: العمال والمحافظين والديمقراطيون الليبراليون والحزب الوطني الاسكتلندي وحزب الخضر وحزب الإصلاح في المملكة المتحدة وحزب شين فين والحزب الديمقراطي الاتحادي، وحزب بلايد كامري.
كما يمكن للمرشحين الترشح بدون خلفية حزبية باعتبارهم مستقلين.
وخلال الاقتراع، يقوم الناخب باختيار الشخص الذي يريده لتمثيل دائرته الانتخابية في مجلسي البرلمان في المملكة المتحدة.
ويتم انتخاب المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات في تلك الدائرة كعضو في مجلس النواب.
وفي نهاية الاستحقاق، يتم احتساب أعلى الأصوات التي حصل عليها أي حزب، ليقوم الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد (يتطلب أن يكون الأغلبية بـ326 مقعدًا على الأقل) بتشكيل الحكومة.
من يصوت في الانتخابات العامة؟
بحسب أحدث الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية، وهو الهيئة العامة البريطانية للبيانات الرسمية، فإن هناك 49 مليون شخص يحق له التصويت في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة.
ومن أهم شروط التصويت أن يكون الناخب مسجل في دائرته الانتخابية وألا يقل عمره عن 18 عامًا في يوم الاقتراع.
ويقتصر التصويت على المواطنين البريطانيين أو المواطنين المؤهلين من دول الكومنولث أو مواطنين من جمهورية أيرلندا.
ولا تفرض السلطات إلزامية التصويت في الانتخابات، ولا يحق للسجناء التصويت.
وانخفضت نسبة المشاركة في انتخابات عام 2019 إلى 67.3% من الأشخاص المسجلين في قواعد الانتخابات، بانخفاض قدره 1.5% عن انتخابات عام 2017 التي أدلى فيها 68.8% من الناخبين بأصواتهم.
وكانت هذه هي المرة الأولى في أربع انتخابات عامة متتالية تنخفض فيها نسبة المشاركة.
بينما سجل عام 2001 أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات منذ الحرب العالمية الثانية، والتي كانت 59.4% من إجمالي الناخبين.
في حين بلغت أعلى نسبة منذ الحرب 83.9% في عام 1950، وفقًا للأرقام التي جمعتها مكتبة مجلس العموم.
إجراءات التصويت
يتم التصويت في انتخابات بريطانيا العامة من خلال مراكز الاقتراع، التي عادة تكون في مبنى عام مثل مدرسة أو مركز مجتمعي.
وتبدأ عملية التصويت في الساعة السابعة صباحًا وتستمر حتى العاشرة مساءً من نفس اليوم.
ويحصل كل ناخب على ورقة بها أسماء المرشحين، ويكون عليه وضع علامة X بجانب المرشح المراد اختياره.
كما يمكن التصويت من خلال البريد الإلكتروني بدلًا من الحضور الشخصي، وهو أمر شابه الكثير من الجدل خلال الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية.
وتسمح المملكة المتحدة أيضًا بالتصويت من خلال الوكالة، وهو إجراء يسمح لمن سيكونون بعيدًا في هذا اليوم أو يعانون من مشكلة طبية أو إعاقة.
ومنذ مايو 2023، أصبح لزامًا على الناخبين أن يحملوا معهم بطاقة هوية تحتوي على صورة، مثل رخصة القيادة أو جواز السفر، إلى مراكز الاقتراع في المملكة المتحدة.
نتائج الانتخابات
تخرج النتائج الأولية إلى النور في الساعة العاشرة مساءً من اليوم الأولى للانتخابات، من خلال استطلاع رأي يحظى بالموثوقية اعتاد كلا من الخبيران الإحصائيان جون كيرتيس وديفيد فيرث على إعداده منذ سنوات.
وتعتمد تلك المؤشرات الأولية على الأصوات التي أدلى بها الناس في حوالي 130 مركز اقتراع في عملية تصويت وهمية.
ويعطي هذا الاستطلاع معلومات أولية عن موقف الناخبين، وتسعى أغلب المحطات التليفزيونية إلى نشر تلك التوقعات.
وتراوح هامش الخطأ في الانتخابات الخمس الماضية بين 1.5 و7.5 مقعد.
أم بالنسبة للنتائج الرسمية، فسيكون على البريطانيين انتظار أعمال فرز الأصوات في الدوائر الانتخابية الفردية، والتي تظهر نتيجتها الأولى في الساعة 11.30 مساءً، وتتوالى النتائج في الظهور حتى الساعة 3 صباحًا.
ومن المقرر الإعلان عن نتائج 440 مقعدًا من أصل 650 مقعدًا خلال الساعات التالية في الفرز، ليتكون جميع النتائج معلنة بحلول الساعة 8 صباحًا.
وسوف يتم الإعلان عن النتائج في مراكز الفرز، وسوف تنقلها وسائل الإعلام طوال الليل، وسوف يتضح مع تقدم الليل ما إذا كان أي حزب قد تجاوز الحد الأقصى المطلوب للفوز بالأغلبية وهو 326 مقعدا.
اتجاه استطلاعات الرأي
ذهبت نتائج استطلاعات الرأي التي أُجريت على مدار العام الماضي إلى فوز واضح لحزب العمال في مقابل المحافظين الذي يسيطر على تشكيل الحكومة منذ 14 عامًا.
وفي استطلاع رأي أجرته صحيفة الغارديان البريطانية في 2 يوليو، تقدم حزب العمال على المحافظين بفارق 20 نقطة (40.7% مقارنة بـ 20.7%)، وهذا هو متوسط استطلاعات الرأي على مدى فترة زمنية متغيرة مدتها 10 أيام.
وتعني تلك النتائج أن حزب العمال قادر على الحصول على 428 مقعدًا مقارنة بـ203 مقعد في الدورة البرلمانية السابقة، فيما سيحصل المحافظون على المحافظون على 127 مقعدا، مقارنة بـ 365 مقعدا في الدورة البرلمانية السابقة. وهذا من شأنه أن يمنح حزب العمال أغلبية 102 مقعد.
قادة الأحزاب
يتزعم حزب المحافظين، ريشي سوناك، والذي يتولى منصب رئيس الوزراء في الوقت الحالي منذ أكتوبر 2022.
ويصوت الناخبون لسوناك في دائرته الانتخابية ريتشموند، في يوركشاير، وهي مقاطعة في شمال إنجلترا، والتي يمثلها منذ عام 2015.
وجاء سوناك الذي يمتلك خلفية اقتصادية من عمله في بنوك الاستثمار وشركات صناديق التحوط، رئيسًا للوزراء خلفًا لـ ليز تروس، الذي وصفت فترة توليه بأنها “كارثية”.
أما حزب العمال فيترأسه كير ستارمر منذ أبريل 2020، والذي جاء بعد فترة تزعم وإقناع ناخبين فاشلة لـ جيريمي كوربين.
انتُخب ستارمر لأول مرة كعضو في البرلمان عام 2015 عن دائرة هولبورن وسانت بانكراس في شمال لندن، وشغل سابقًا منصب وزير بريكست في حكومة الظل ووزير الهجرة في حكومة الظل.
بعد تدريبه كمحامٍ في جامعتي ليدز وأكسفورد، بلغت مسيرة ستارمر القانونية ذروتها كمدير للادعاء العام، ورئيس هيئة الادعاء الجنائي في إنجلترا وويلز.
ويتزعم آخرون مجموعة من الأحزاب مثل: إد ديفي عن الديمقراطيين الليبراليين، وجون سويني عن الحزب الوطني الاسكتلندي، وكارلا دينيير وأدريان رامزي عن الحزب الأخضر، ورون أب إيورويرث عن حزب بلايد كيمرو، وماري لو ماكدونالد عن شين فين، وجافين روبنسون عن الحزب الديمقراطي الموحد، ونايجل فاراج عن حزب الإصلاح في المملكة المتحدة.
أهمية الانتخابات
تأتي الانتخابات في وقت تعاني منه السياسة البريطانية من اضطرابات شديدة، على خلفية برنامج التقشف الذي أعلنه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016.
كان تعيش بريطانيا أيضًا تداعيات مفاوضات ما بعد خروج بريطانيا التي أطاحت بتيريزا ماي، وسقوط بوريس جونسون بسبب فضيحة بارتي جيت التي تبين فيها أن جونسون وشخصيات بارزة أخرى انتهكوا قواعد كوفيد في المملكة المتحدة أثناء الوباء.
وتعاني المملكة المتحدة كذلك من فترة ولاية ليز تروس القياسية لمدة 50 يومًا كرئيسة للوزراء، إلى جانب فترة 14 عامًا وصفها الكثيرون بأنها فوضوية في ظل حكم المحافظين.
وما يزيد من سقطات المحافظين، الاتهامات التي توجه له باستغلال بعض الشخصيات البارزة داخله المعلومات الخاصة بالانتخابات لتوجيه الرهانات.
وبشكل عام يبدون أن الناخبين مستعدون لدعم حزب العمال المنتمي إلى يسار الوسط، فيما يكتسب أيضًا حزب الإصلاح الشعبوي في المملكة المتحدة زخما.
وقد وضع هذا المزيج المثير الانتخابات العامة في مكانة واحدة من أكثر الانتخابات المنتظرة بشغف منذ سنوات عديدة.
المصدر: The guardian