سياسة

مستقبل الجنيه الاسترليني متأرجح في ظل الانتخابات البريطانية

شهد أداء الجنيه الاسترليني ارتفاعًا ملحوظًا متأثرًا بتوقعات فوز حزب العمال المعارض بأغلب الأصوات في الانتخابات البريطانية المقبلة.

ولكن في نفس الوقت لا يزال مستقبل العملة البريطانية مرهونًا بقدرة الحكومة الجديدة على إقناع المستثمرين المترددين بخطة الإصلاح الاقتصادي، والتي يمكن أن تحرك المياه الاقتصادية الراكدة في البلاد.

ووسط هذا الصعود لمستويات غير مسبوقة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “البريكست” في عام 2016، يعقد تجار العملة الآمال على أن تكون تلك المرحلة هي نهاية التقلبات التي شهدتها العملة في ظل السياسة المصطربة خلال حكم حزب المحافظين الحاكم.

إجراءات اقتصادية

قيّم أكثر من 20 خبيرًا الأوضاع في ظل فوز حزب العمال في الانتخابات المقرر لها 4 يوليو المقبل، قائلين إن الحكومة اليسارية سيكون عليها معالجة أزمة الثقة التي نشأت بينها وبين المستثمرين في ظل حكومة حزب المحافظين السابقة.

وكانت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بلغت أعلى مستوى لها منذ 63 عامًا وانخفض الاستثمار المباشر الأجنبي لأربعة من آخر خمسة أرباع حتى نهاية عام 2023.

ويرى معهد الدراسات المالية، أن حزب العمال حال نجاحه سيضطر لفرض إجراءات اقتصادية مثل زيادة الضرائب أو الاقتراض، حتى لا يلجأ لتخفيض الإنفاق.

وفي الوقت الذي يحاول فيه المستثمرون تقييم استجابة الحكومة المقبلة لهذه المشكلات، فإن المخاطر على الجنيه الاسترليني ليست متوازنة، خصوصًا في الأغلبية المتوقعة لحزب العمال التي ستعمل على تعزيز النمو في بريطانيا.

وقال كوستاس ميلاس أستاذ المالية بجامعة ليفربول الذي يدرس العلاقة بين عدم اليقين في السياسة الاقتصادية والأسواق المالية “سيؤدي سيناريو سياسي أقل ثقة إلى إضعاف الجنيه الإسترليني بشكل أكبر وجعله أكثر تقلبا”.

وتُشير استطلاعات الرأي الحديثة إلى أن حزب العمال بقيادة كير ستارمر، يتقدم على المحافظين الحاكم بحوالي 20 نقطة مئوية.

مستقبل الجنيه الاسترليني متأرجح في ظل الانتخابات البريطانية
رسم يوضح وصول الاسترليني إلى أعلى المستويات بعد “بريكست”

أداء الاسترليني

خلال العقود الأربعة السابقة لـ 2016، كان يتم تداول الجنيه الاسترليني عند مستوى أقل من متوسط قيمته مقابل الدولار.

ولكن خلال هذا العام، ارتفعت قيمة تداول العملة لبريطانية عند مستوى 1.27، ليتفوق على جميع العملات الرئيسية المماثلة.

وشهد الاسترليني تراجعًا كبيرًا في عام 2022، ليستقر عند أدنى مستوى قياسي له وهو 1.03، مدفوعًا بالميزانية التي أعلنتها رئيسة الوزراء المحافظة السابقة ليز تروس، والتي أدت إلى تراجعات كبيرة في سوق السندات ورفعت الديون والتضخم.

وهذه الحالة من عدم اليقين التي سيطرت على السياسة الاقتصادية البريطانية منذ عام 2016، ساهمت في ضغط مباشر على الأسواق المالية، بما فيها تقلب سعر الصرف وبالتالي نمو اقتصادي أقل.

ويأمل المحللون أن تساعد حكومة عمالية محتملة في عكس اتجاه دفة الاقتصاد، وتدعم الأسواق بشكل أكبر.

وقال الخبير الاستراتيجي العالمي في شركة بي جي آي إم للدخل الثابت، جييرمو فيليس، إن حزب العمال قد يمثل دعمًا كبيرًا للعملة البريطانية إذا قدم بعض الإحساس بالمسؤولية المالية.

وتتوقع أسواق المال تخفيضات مماثلة في أسعار الفائدة من جانب بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي هذا العام.

ولكن حتى الآن لا توجد مؤشرات واضحة عن الخطة التي من المقرر أن يتبعها حزب العمال بشأن السياسة المالية المتعلقة بالجنيه الاسترليني.

ووجه معهد الدراسات الاستراتيجية انتقادات هذا الأسبوع إلى حزب العمال والمحافظين، بسبب عدم وضوح خططهم الاقتصادية ضمن البرامج الانتخابية لكلا منهما.

مستقبل الجنيه الاسترليني متأرجح في ظل الانتخابات البريطانية
يتنافس حزبي العمال والمحافظين بشكل أساسي في الانتخابات البرلمانية المقرر لها يوليو المقبل

مستقبل العملة

يتوقع المحللون أن يرتفع الجنيه الإسترليني إلى 1.2875 دولار في غضون 12 شهرًا، في المتوسط، وفقًا لبيانات بورصة لندن للأوراق المالية، ويرى البعض أن المخاطر ستستمر لفترة أطول.

ويسعى حزب العمال الذكان كان خارج الحكومة طوال 14 عامًا ماضية على تحسين السياسات المالية والاقتصادية في البلاد، والمتعلقة بالضرائب والإنفاق.

وقال سيمون هارفي رئيس قسم أبحاث العملات الأجنبية في مونيكس أوروبا إن تجار العملة كانوا متفائلين بشأن الجنيه الإسترليني في الأمد القريب لأن مالية الحكومة البريطانية لم تمنح حزب العمال أي فرصة تقريبا للإنفاق الزائد.

وهناك بعض المخاوف من أن يتبع حزب العمال سياسية يسارية بحتة، وهو ما يثير القلق ويدفع الناس للتركيز على انعكاس تلك التطورات على المدى الطويل، بحسب هارفي.

مستقبل الجنيه الاسترليني متأرجح في ظل الانتخابات البريطانية
أدار الجنيه الاسترليني في ظل الأزمات العالمية

ويتوقع نيكولاي ماركوف، الخبير الاقتصادي البارز في شركة بيكتيت لإدارة الأصول، أن يتبع حزب العمال سيناريو الاستثمار المكثف الذي من شأنه أن يثبت أنه تضخمي ويؤثر سلباً على أسواق السندات البريطانية والجنيه الإسترليني.

وتشهد بريطانيا معدلات تضخم هي الأعلى بين دول مجموعة السبع، كانت ذروتها في عام 2022 عندما وصلت إلى 11.1%.

ووفق حسابات أوكسفورد إيكونوميكس، من المتوقع أن يؤدي انخفاض الجنيه الاسترليني بنسبة 10%، إلى إضافة 1.3 نقطة مئوية إلى تضخم أسعار المستهلك في المملكة المتحدة على مدى عامين.

المصدر: رويترز