يعمل قادة تايوان حاليًا على تطوير نظام قمر صناعي جديد بغرض تعزيز قدرة الجزيرة على البقاء متصلة بالإنترنت في حال وقوع كوارث، وذلك في ظل تهديدات مستمرة تنطلق من العلاقات العدائية مع الصين.
وقال وو جونغ شين، المدير العام لوكالة الفضاء التايوانية (TASA)، في مقابلة حصرية مع شبكة CNN، إن تايوان تتواجد حاليًا في مرحلة تجريبية لتطوير أقمار صناعية جديدة لتعزيز الاتصالات المحلية.
وأضاف سين أنه بمجرد تشغيل هذا النظام، سيكون بإمكانه توفير الوصول إلى الإنترنت بطريقة مشابهة لنظام الأقمار الصناعية Starlink التابع لشركة إيلون ماسك، على نطاق أصغر، وذلك لربط المستخدمين بالإنترنت في مناطق لا تغطيها شبكات الاتصالات التقليدية.
تايوان و Starlink
تستخدم شركة Starlink، التي تديرها شركة SpaceX التابعة لإيلون ماسك، شبكة مؤلفة من آلاف الأقمار الصناعية لتوصيل الإنترنت إلى المستخدمين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المناطق النائية والمعزولة.
واستفاد الجيش الأوكراني من هذه التقنية على جبهات القتال ضد روسيا، لكن تايوان لا تستطيع الوصول إلى شبكة Starlink بسبب مطالب SpaceX بامتلاك أغلبية حقوق الملكية في المشروع المشترك المقترح، وهو شرط لا يتفق مع القوانين التايوانية المحلية، مما دفع الحكومة التايوانية إلى تطوير تقنياتها الخاصة في هذا المجال.
وأكد وو جونغ شين أن القمر الصناعي للاتصالات يمثل مشروعًا بالغ الأهمية لوكالته، مشيرًا إلى أهميته الكبيرة في تعزيز مرونة الاتصالات خلال الحالات الطارئة.
تفاصيل مشروع تايوان الطموح
تتمثل أهمية المشروع الطموح الذي تعمل عليه تايوان في موقعها الجغرافي، حيث تقع على بعد حوالي 100 ميل من سواحل الصين، مما يزيد من الحاجة الماسة لهذا المشروع، حيث يقول الحزب الشيوعي الحاكم في الصين إن تايوان جزء من أراضيه، وقد تعهد مرارًا باللجوء إلى القوة إذا لزم الأمر للاستيلاء عليها.
تعتمد خدمات الاتصال في تايوان حاليًا على 15 كابلًا بحريًا يربطها ببقية العالم، ومع ذلك، فإن هذه الكابلات عُرضة للتلف، مثلما حدث في العام الماضي، حيث انقطعت خدمة الإنترنت عن مجموعة من الجزر التايوانية النائية لعدة أسابيع بعد تضرر كابلين بحريين يربطانها بالجزيرة الرئيسية في تايوان بسبب السفن المارة.
وتعتبر خدمة الإنترنت عالية السرعة ذات أهمية بالغة لوظيفة أي مجتمع، ولكن في حالة تايوان، يمكن أن تكون لأي محاولة متعمدة لتخريب هذا النظام تداعيات أخرى.
وفي تقرير نشره معهد أبحاث الدفاع الوطني والأمن، حذر الخبراء من أنه إذا قامت بكين بقطع كابلات الإنترنت حول تايوان، فقد يؤدي ذلك إلى تعطيل الاتصالات المعتادة والتسبب في ذعر واسع النطاق.
وكانت السلطات التايوانية قد أعلنت سابقًا عن تطوير قمرين صناعيين للاتصالات، يتم إطلاق الأول منهما بحلول عام 2026، وبعد ذلك، ستقوم الشركات الخاصة أيضًا بإطلاق أربعة أقمار صناعية إضافية لدعم تقدم الصناعة. ومع ذلك، ستحتاج تايوان إلى إطلاق مئات الأقمار الصناعية إذا أرادت إنشاء نظام يوفر وصولاً احتياطيًا دون انقطاع إلى الإنترنت.
وفقًا لتقديرات براد تاكر، عالم الفيزياء الفلكية في الجامعة الوطنية الأسترالية، فإن تايوان ستحتاج إلى الأقل 50 قمرًا صناعيًا لتوفير تغطية طوارئ “مقبولة إلى حد ما” مع كوكبة الأقمار الصناعية الخاصة بها، وكلما زاد عدد الأقمار الصناعية، كلما كان ذلك أفضل.
وأشار سو تزو يون، مدير معهد تايوان لأبحاث الدفاع والأمن الوطني، إلى أن تايوان قد لا تكون قادرة على توفير تغطية شاملة للإنترنت باستخدام عدد قليل من الأقمار الصناعية المحلية، إلا أن تطوير هذه التقنية يمثل خطوة مهمة على المدى البعيد
المرونة في أوقات الطوارئ
كانت ضمان استمرارية أنظمة الاتصالات في تايوان خلال الأوقات غير العادية أمرًا يولى أولوية متزايدة لقادة الجزيرة خلال السنوات الأخيرة، فبالإضافة إلى تكليف وكالة الفضاء بمشروع القمر الصناعي، أنشأت الحكومة التايوانية وزارة للشؤون الرقمية في عام 2022 لزيادة مرونة الاتصالات، حيث تعاونت هذه الوزارة مع مقدمي خدمات الأقمار الصناعية الدوليين وقامت بتثبيت معدات جديدة في المواقع النائية بتايوان لتعزيز الاتصالات.
وبحلول نهاية عام 2024، سيتم إنشاء 700 نقطة ساخنة في جميع أنحاء الجزيرة لتمكين الاتصالات عبر الأقمار الصناعية خلال الحالات الطارئة، حسب إعلان السلطات في مارس. أظهرت هذه المبادرة فعاليتها خلال الزلزال الذي ضرب شرق تايوان في أوائل أبريل بقوة 7.4 درجات.
ورفض وو، المدير العام لوكالة الفضاء، الكشف عن تفاصيل أكثر تحديدًا حول الجدول الزمني للمشروع، ووفقًا لمصادر مطلعة، من المتوقع أن تصدر الإدارة الجديدة خطة محدثة وجدولًا زمنيًا لبرامجها الفضائية، بما في ذلك مشروع الأقمار الصناعية للاتصالات، بعد تولي الرئيس التايواني المنتخب لاي تشينغ تي منصبه في 20 مايو الجاري.
طموحات كبيرة في الفضاء
تتجاوز طموحات تايوان الفضائية مجرد تطوير أقمار الاتصالات المحلية، حيث يسعى وو جونغ شين، المدير العام لوكالة الفضاء التايوانية، إلى إنشاء صناعة فضائية جديدة تستفيد من الفرص الدولية المتنامية.
وكان الرئيس تساي إنغ وين قد أعلن في العام الماضي عن استثمار بقيمة 25.1 مليار دولار تايواني “790 مليون دولار” في برامج الفضاء خلال العقد المقبل، بهدف تمكين الشركات المحلية في مختلف الصناعات – بما في ذلك تصميم الرقائق والآلات الدقيقة – من دخول قطاع الفضاء.
وعلى الرغم من صغر حجمها، تعتبر تايوان موقعًا مرغوبًا لتطوير مشاريع الفضاء بفضل دورها الريادي في صناعة الرقائق الدقيقة المتقدمة – التي تعتبر أساسية لتشغيل تكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي وأجهزة الكمبيوتر.
وقد أكد وو أن تايوان تعمل أيضًا على تطوير نظام صاروخي لإطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء، بالإضافة إلى الاعتماد على مقدمي خدمات خارجيين لإرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء. على سبيل المثال، تم إطلاق قمر صناعي محلي للطقس باسم “تريتون” العام الماضي من غويانا الفرنسية في أمريكا الجنوبية.
وبحلول عام 2030، تعتزم تايوان إطلاق صواريخ إلى مدارنا الأرضي المنخفض، مما سيمكنها من إجراء رحلات تجريبية بشكل متكرر.
المصدر: