سياسة

الانسحاب الأمريكي من سوريا قد يكون لصالح الولايات المتحدة.. لماذا؟

ترتيب أوراق سياستها الخارجية

يبدو أن الولايات المتحدة بدأت مؤخرًا في إعادة ترتيب أوراق سياستها الخارجية، وتحديدًا ما يتعلق بانسحاب قواتها في الخارج من سوريا والعراق.

وخلال الفترة الماضية تعرضت القوات الأميركية لهجمات في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط، على خلفية تصاعد التوتر في المنطقة جراء الحرب الإسرائيلية على غزة.

ومن أحدث الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية، كان هجوم على قاعدة جوية في الأردن بالقرب من الحدود السورية من قبل جماعات مسلحة تابعة لإيران، أدت إلى مقتل 3 جنود أمريكيين

وردًا على الهجمات، شنت القوات الأمريكية ضربات على مواقع قالت إنها تابعة للجماعات المسلحة في العراق وسوريا.

وعلى أثر تلك التطورات، بدأت المطالبات بسحب القوات الأمريكية من مواقعها في الشرق الأوسط تتزايد في الداخل، وكذلك في الخارج من قبل الدول التي تستضيف القواعد.

دفعت تلك الأحداث الأخيرة واشنطن للتفكير في سحب قواتها الخارجية من العراق، وأجرت في هذا الإطار مناقشات مع بغداد.

وربما يتطور الأمر لسحب القوات الأمريكية من سوريا، بحسب ما نقلته مجلة “فرين بوليسي” عن بعض المسؤولين في إدارة بايدن.

أسباب تواجد القوات الأمريكية في سوريا

دخلت الولايات المتحدة إلى سوريا قبل 10 سنوات تقريبًا، تزامنًا مع ما أُطلق عليه الربيع العربي، عندما سيطر تنظيم “داعش” على مساحات واسعة من البلاد”.

تم تشكيل تحالف دولي في هذا الوقت بقيادة الولايات المتحدة من أجل إعادة الاستقرار إلى المنطقة.

وبدأ التحالف في تنظيم ضربات جوية ضد أهداف تنظيم الدولة، مدعومًا من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وهي جماعة مسلحة تحارب ضد داعش.

ويوجد في سوريا نحو 2000 جندي أمريكي، وفي الإحصائيات الأخيرة لوزارة الدفاع الأمريكية التي أعلنتها في 2017.

ولكن التواجد الأمريكي في سوريا قوبل برفض من عدة جهات، من بينها الحكومة السورية نفسها وروسيا الداعمة للرئيس بشار الأسد، وتركيا المعارضة لوجود “قسد” التابعة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة جماعة إرهابية.

في عام 2019، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب معظم القوات الأمريكية من شمال سوريا، مع الإبقاء على بعض القوات لتأمين المنشآت النفطية.

ووجاء القرار بعد إعلان تركيا نيتها تنفيذ هجمات في شمال سوريا، إذ سعت واشنطن لتجنب التورط في صراعات دموية.

بات الانسحاب الأمريكي من سوريا ضرورة ملحة بعد التصعيدات الأخيرة ضد قواتها في الشرق الأوسط

إنجازات القوات الأمريكية في سوريا

وفق محللين، تمكنت القوات الأمريكية من خلال تواجدها في سوريا على مدار السنوات الماضية من إعادة الاستقرار في بعض الأماكن التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.

كما ساهمت في حماية الأكراد السوريين من تركيا، من خلال القوات المتبقية بعد قرار ترامب بالانسحاب.

شرعية التواجد الأمريكي

تنقسم الآراء حول قانونية التواجد الأمريكي في سوريا، فمن ناحية ترى الولايات المتحدة أن وجودها مدعوم بالقانون الأمريكي والدولي وتحديدًا المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يمنحها حق الدفاع عن نفسها ومصالحها.

ومن ناحية أخرى ترى البعثة السورية في لدى الأمم المتحدة أن الوجود الأمريكي في سوريا غير قانوني أو شرعي، وأنه على الولايات المتحدة أن تسحب قواتها في أسرع وقت.

ويخشى محللون من أن اقتناع الولايات المتحدة بأن محاربة الإرهاب في جميع مناطق العالم هو واجب ضروري عليها، سيعمل على تعظيم انخراط واشنطن في مزيد من الحروب في الشرق الأوسط.

هل يحظى قرار الانسحاب بالقبول؟

حتى وقتنا الحالي هناك مؤيدين ومعارضين في الداخل الأمريكي لقرار انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.

وفي حين أن الولايات المتحدة تسوق سببًا معلنًا لتواجدها هناك وهو التخوف من عودة نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن هناك سببًا آخرًا يتمثل في عدم رغبة الولايات المتحدة لترك فراغ قد تستغله قوى أخرى.

ومن وجهة النظر الأمريكية قد يدفع الانسحاب إلى ترك مساحات أمام روسيا المنافس الأول لها، وإيران التي تعيش صراعًا مع إسرائيل وكذلك تركيا والأكراد وروسيا وتركيا.

ويرى بعض المسؤولين الأمريكيين أن مغادرة سوريا سيترتب عليه الإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة، ويفتح الباب أمام أطرف معادية لتحقيق مصالح.

ويقول محللون إن إدارة الرئيس بايدن تخشى أن تكرر خطأها السابق في أفغانستان، إذ تسبب انسحاب قواتها في عودة حركة طالبان إلى الحكم.

شرعية التواجد الأمريكي محل جدال حتى الآن بين عدة جهات

مكاسب الولايات المتحدة من الانسحاب

وفق المعطيات الحالية، لا توجد ضرورة للوجود الأمريكي في سوريا، خصوصًا بعد الهزيمة الإقليمية التي لحقت بتنظيم الدولة الإسلامية في عام 2019.

ومنذ ذلك الوقت يعمل التنظيم من خلال خلايا نائمة وعلى نطاق ضيق في المناطق النائية في سوريا والعراق، أي أنه لا يُشكّل تهديدًا لمصالح واشنطن، وفق وزارة الدفاع الأمريكية.

وهذا يجعل التواجد الأمريكي المستمر حجة غير منطقية، كما أنه يمكن أن يؤدي إلى نتائج أسوأ في المستقبل.

ولكن على الجانب الآخر فالوجود الأمريكي في سوريا يضمن الدعم للقوات السورية الديمقراطية “قسد” والتي قاتلت جنبًا إلى جنب طوال سنوات مع الولايات المتحدة في حربها ضد داعش.

وكثيرًا ما تدعو المجموعة لدعم أمريكي أكبر بهدف تأمين أراضيها، في ظل عداء تركيا لها، والتي كانت من أشد المعارضين للتحالف بينها وبين الولايات المتحدة.

وهذا الأمر خلق حالة من التوتر في العلاقات التركية الأمريكية، وهو سبب آخر يسوقه المعارضون للانسحاب الأمريكي من سوريا.

ويرى المعارضون أن مؤيدي الانسحاب يدعمون التخلي عن الأكراد.

ولكن على الناحية الأخرى، فإن تقليل القوات الأمريكية في الخارج من شأنه أن يوفر الموارد اللازمة لسد احتياجات أخرى، كما أنه يمنع التصعيد المحتمل مع خصوم الولايات المتحدة مثل إيران.

مصالح مشتركة

يتقاسم أصدقاء وأعداء الولايات المشتركة المصالح في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وجر سوريا نحو المزيد من الاستقرار.

ويحقق المزيد من الأمن في وسوريا منافع لكل من العراق والأردن وتركيا وإيران وكذلك روسيا، وكذلك نظام الأسد.

وبالنسبة لروسيا فهي تريد الاحتفاظ بقواعدها البحرية والجوية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، أمام الأسد فيريد سد احتياجاته الأمنية والتي يعوقه انهيار الدولة.

وبإنهاء الحرب وتخلي الأسد عن موقفه التفاوضي الصارم، يضمن ذلك دخول الشركات الأجنبية لإعادة الإعمار، ويضمن أيضًا وصول الأسد إلى آبار النفط والأراضي الزراعية في شمال شرق البلاد.

واتخاذ الولايات المتحدة لقرار الانسحاب لا يمكن وصفه بأنه استسلام لأعدائها، ولكنه سيكون بمثابة إعادة توجيه استراتيجي للأولويات، وإنهاء مهمة بعد اكتمالها، وتوجيه الموارد والاهتمام إلى قضايا أخرى ملحة وضمان سلامة الشركاء المحليين.

اقرأ أيضًا:

دعوات لمنح وضع الحماية للفلسطينيين في الولايات المتحدة.. ماذا يعني ذلك؟

الهجرة إلى الولايات المتحدة.. 5 أسباب تجعلها الوجهة الأكثر تفضيلًا

إرسال القنابل العنقودية لأوكرانيا يثير قلق حلفاء الولايات المتحدة.. لماذا؟

المصدر: Inkstickmedia