انخرط الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في قتال عنيف اليوم السبت في العاصمة الخرطوم، وأماكن أخرى في البلاد، مما وجه ضربة جديدة للآمال في الانتقال إلى الديمقراطية وأثار مخاوف من اندلاع صراع أوسع، إذ قالت جماعة الأطباء إن ثلاثة أشخاص على الأقل قتلوا وأصيب العشرات.
وتوجت الاشتباكات شهورًا من التوترات المتصاعدة بين القوات المسلحة ومجموعة قوات الدعم السريع، وأدت هذه التوترات إلى تأخير التوصل إلى اتفاق مع الأحزاب السياسية لإعادة البلاد إلى فترة انتقالها القصيرة الأمد، والتي خرجت عن مسارها بسبب الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021.
بعد يوم من القتال العنيف، استبعد الجيش إجراء مفاوضات مع قوات الدعم السريع، ودعا بدلاً من ذلك إلى تفكيك ما أسماه “ميليشيا متمردة”، ويقصد قوات الدعم السريع.
وسمع دوي إطلاق نار كثيف طوال اليوم السبت في أنحاء العاصمة الخرطوم ومدينة أم درمان، حيث حشد الجيش وقوات الدعم السريع عشرات الآلاف من القوات منذ الانقلاب.
روايات شهود العيان
وقال شهود إن مقاتلين من الجانبين أطلقوا النار من عربات مدرعة ومن رشاشات محمولة على شاحنات صغيرة أثناء القتال في مناطق مكتظة بالسكان، وشوهدت بعض الدبابات في الخرطوم.
وقال الجيش إنه شن ضربات بطائرات مسيرة على مواقع لقوات الدعم السريع في العاصمة وحولها.
ووصف السكان مشاهد الفوضى، حيث قالت أمل محمد، طبيبة في مستشفى عام في أم درمان، إن الحرائق والانفجارات كانت في كل مكان الجميع يركضون ويبحثون عن مأوى.”
وقال عبد الحميد مصطفى أحد سكان الخرطوم “لم نشهد مثل هذه المعارك في الخرطوم من قبل.”
مطار الخرطوم بؤرة ساخنة
كان مطار الخرطوم الدولي من بؤر التوتر، ولم يصدر إعلان رسمي بإغلاق المطار، لكن شركات الطيران الكبرى علقت رحلاتها، وأظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية أن ذلك شمل رحلات متجهة إلى السودان من مصر والسعودية، والتي تراجعت بعد أن كادت أن تهبط في المطار.
ومن جانبها قالت شركة الطيران الوطنية السعودية إن إحدى طائراتها تعرضت لحادث، وأظهر مقطع فيديو الطائرة تحترق في مدرج المطار، كما يبدو أن النيران اشتعلت في طائرة أخرى.
وفي نفس السياق قالت نقابة أطباء السودان إن مدنيين قتلا في المطار دون أن تحدد الملابسات. وقالت النقابة إن رجلاً آخر قتل رمياً بالرصاص في ولاية شمال كردفان، وقالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن جنوداً أوقفوا أحد مراسليها واقتادوه إلى المقر العسكري وتعرض للضرب.
وتبادل قادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ، الذين كانوا شركاء في انقلاب 2021، اللوم في بدء القتال اليوم السبت وقدموا روايات متضاربة حول من كان يسيطر على المنشآت الرئيسية.
تصريحات “البرهان”
ومن جانبه قال اللواء عبد الفتاح برهان، قائد الجيش السوداني، في مقابلة هاتفية مع قناة الجزيرة الإخبارية الفضائية، إن قوات الدعم السريع “ضايقت” أولاً الجيش جنوب الخرطوم، مما أدى إلى اندلاع الاشتباكات.
واتهم البرهان قوات الدعم السريع بدخول مطار الخرطوم وإضرام النار في بعض الطائرات، وقال إن جميع المرافق الاستراتيجية بما في ذلك مقر الجيش والقصر الجمهوري مقر رئاسة السودان تخضع لسيطرة قواته، وهدد بنشر مزيد من القوات في الخرطوم من جميع أنحاء البلاد.
“دقلو” يدافع عن موقفه
أما قائد قوات الدعم السريع، اللواء محمد حمدان دقلو “حميدتي”، فاتهم البرهان ببدء المعركة بمحاصرة قوات الدعم السريع، وقال: “هذا المجرم فرض هذه المعركة علينا، ولكن الأمر سينتهي في الأيام القليلة المقبلة”.
وزعمت قوات الدعم السريع أن قواتها تسيطر على مواقع استراتيجية في الخرطوم ومدينة مروي الشمالية على بعد 350 كيلومترًا (215 ميلاً) شمال غرب العاصمة، بينما ورفض الجيش المزاعم ووصفها بأنها “أكاذيب”.
ويأتي القتال بعد أشهر من التوترات المتصاعدة بين الجنرالات وسنوات من الاضطرابات السياسية بعد انقلاب 2021.
ردود الأفعال الدولية
من جانبه أعرب وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين وغيره من كبار الدبلوماسيين عن قلقهم البالغ إزاء اندلاع أعمال العنف، وكتب بلينكين على تويتر: “نحث جميع الجهات الفاعلة على وقف العنف فورًا وتجنب المزيد من التصعيد أو تعبئة القوات ومواصلة المحادثات لحل القضايا العالقة”.
أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، وكبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي ، جوزيب بوريل، ورئيس مفوضية الاتحاد الافريقي موسى فقي محمد، ورئيس جامعة الدول العربية احمد ابو الغيط دعوا جميعًا إلى وقف إطلاق النار، وعودة الطرفين إلى المفاوضات لتسوية الخلاف بينهما
السعودية ومصر والإمارات
في نفس السياق دعت السعودية ومصر والإمارات أطراف الصراع في السودان إلى ممارسة ضبط النفس والعمل نحو حل سياسي في البلاد.
وحذر رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك ، الذي أطيح به في انقلاب 2021، من احتمال اندلاع صراع إقليمي إذا تصاعد القتال، ووجه نداء بالفيديو لكلا الجانبين نُشر على حسابه على تويتر قائلًا: “إطلاق النار يجب أن يتوقف على الفور”
وقال مسؤول بالأمم المتحدة طلب عدم ذكر اسمه، إن فولكر بيرثيس، مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، والسفير السعودي في السودان، علي بن حسن جعفر، يحاولون التواصل مع دقلو والبرهان لمحاولة إنهاء العنف.
وفي غضون ذلك أعلنت تشاد إغلاق حدودها البرية مع السودان حتى إشعار آخر بسبب القتال.
أماكن تركز فيها القتال
وقال مسؤول عسكري طلب عدم الكشف عن هويته، إن الاشتباكات تركزت في الخرطوم لكنها وقعت أيضًا في مناطق أخرى في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك الإقليم الشمالي ومنطقة دارفور التي دمرها الصراع ومدينة بورتسودان الساحلية الاستراتيجية على البحر الأحمر.
وتنبع التوترات من الخلاف حول كيفية دمج قوات الدعم السريع ، بقيادة دقلو ، في القوات المسلحة وما هي السلطة التي يجب أن تشرف على العملية الانتقالية، وأن الاندماج شرط أساسي لاتفاق السودان الانتقالي غير الموقع مع الجماعات السياسية.
وكتب سفير الولايات المتحدة في السودان، جون جودفري، على الإنترنت أنه كان يحتمي في مكانه مع فريق السفارة، “كما يفعل السودانيون في جميع أنحاء الخرطوم وأماكن أخرى.”
وكتب: “أدعو القادة العسكريين الكبار على وجه السرعة إلى وقف القتال”، مضيفًا أن التصعيد خطير للغاية.
ما هي قوات الدعم السريع التي تشتبك مع الجيش في السودان؟
منها أنه بديل لدماغ البشر.. مفاهيم خاطئة عن الذكاء الاصطناعي