تعتبر المياه شريان الحياة، لذلك تسعى كل الدول لتأمين احتياجاتها منها لكونها أساس البقاء لجميع الكائنات الحية، ولاستخدامها في الزراعة وغيرها من المجالات المختلفة، لكن العقود الماضية شهدت ظهور أزمات نقص المياه في أماكن مختلفة حول العالم، إذ يعود السبب في ذلك إلى التغيرات المناخية التي أصبحت تهديدًا عالميًا ينبغي مواجهته لضمان الحياة بصورة طبيعية على كوكب الأرض.
ندرة المياه العذبة حول العالم
وفي هذا السياق أعلن الصندوق العالمي للحياة البرية، أن 3 % فقط من مياه العالم عذبة، وثلثاها مجمدة أو غير متاحة للاستخدام، وهو ما أدى إلى افتقار 1.1 مليار شخص عالميًا إلى المياه، بينما يواجه 2.7 مليار شخص صعوبة في الحصول على المياه لمدة شهر على الأقل من العام، كما أوضحت الإحصائيات أن أضرار الجفاف بلغت 38.4 مليار دولار على مستوى العالم عام 2022، ليكون تاسع أعلى معدل لأضرار الجفاف خلال الـ48 عاما الماضية، حيث شهدت نص الكرة الأرضية الشمالي 89 % من تكاليف الجفاف المذكورة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ.
الجفاف يلقي بظلاله على العالم
كانت أزمات المياه والجفاف عاملًا مشتركًا بين مختلف مناطق وقارات العالم، حيث استمرت وسائل الإعلام العربية والأجنبية في تداول أخبارها بشكل مستمر على مدار العام في محاولة لتوضيح حجم الكارثة التي وصل إليها كوكب الأرض من حيث ندرة المياه لأسباب مختلفة على رأسها التغيرات المناخية والممارسات البشرية الخاطئة.
جاءت البداية في يناير 2022 حيث عانت الولايات المتحدة من سجل جفاف ينذر بالخطر، فوفقًا لمرصد الجفاف الأميركي فإن 55 % من الولايات تعاني من الجفاف، فعلى سبيل المثال كاليفورنيا تعاني من ندرة في المياه بنسبة 78 % أقل من نفس الشهر في عام 2020، حيث لا يزال الجفاف المعتدل إلى الاستثنائي يسيطر على الولاية بأكملها، وهو ما دفع حاكم الولاية، جافين نيوسوم، لدعوة الأميركيين لتخفيض استخدام المياه طواعية بنسبة 15 بالمئة لمواجهة الجفاف المستمر.
وفي منتصف العام الماضي تعرضت إيطاليا لأسوأ موجة جفاف منذ 70 عاماً، إذ يعاني نهر بو من انخفاض منسوبه، مع عدم هطول أمطار لمدة 110 يوم، حيث واستطاع الصيادون السير إلى منتصف النهر على الأرض الجافة، علمًا بأن نهر بو كان يوفر مياه الشرب لأكثر من 250 ألف شخص، ووفقا لاتحاد المزارعين الإيطالي فإنه سيكون هناك 30 إلى 40 % انخفاضا في إنتاج الفاكهة والخضروات في وادي بو.
ندرة الأمطار واستنزاف المياه الجوفية
كما حذرت ورقة بحثية نشرها المعهد الأوروبي للدراسات الأمنية والسياسية إلى أن هطول الأمطار في الشرق الأوسط سيقل بنسبة 20 إلى 40 %، وفي أسوأ الحالات، سيكون أقل بنسبة تصل لـ 60 بالمئة.
وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن ما بين 12 لـ 14 مليون شخص في القرن الأفريقي على شفا المجاعة بسبب الجفاف، مع توقعات بزيادة الطلب على المياه عالميًا بنسبة 20 إلى 30 % بحلول عام 2050، وقد دفع الجفاف وندرة المياه إلى الإفراط في استخدام المياه الجوفية في بعض المناطق، مثل شمال الهند والولايات المتحدة، بنسبة 70 % حيث تستخدم في الزراعة والري، وهو ما يهدد المخزون الاستراتيجي للمياه العذبة في الأرض حيث تمثل المياه الجوفية تشكل 99 % من المياه العذبة السائلة في العالم.
وحذرت المفوضية الأوروبية من تجاهل نقص هطول الأمطار في إيطاليا وجنوب ووسط وغرب فرنسا، ووسط ألمانيا، وشرق هنغاريا، والبرتغال، وشمال إسبانيا، وهو ما أدى إلى تعرُّض المنطقة الأوروبية لأعلى مستوى من الجفاف في الفترة من 1991 لـ 2020.
وحول بعض الأدلة على ضخامة الأزمة فقد وصل منسوب المياه المخزنة في أسبانيا إلى 31 % عن المتوسط الطبيعي للسنوات العشر الماضية، وفي البرتغال تبلغ الطاقة الكهرومائية المخزنة في خزانات المياه نصف متوسط السنوات السبع الماضية.
مصر والعراق تواجهان خطر العطش
ذكرت منظمة “يونيسيف” أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني من الإجهاد المائي في العالم، وتعتبر من أكثر المناطق التي تعاني من ندرة المياه في العالم، لافتة إلى أن مصر تواجه عجزا سنويا في المياه بنحو سبعة مليارات متر مكعب خلال السنوات القليلة الماضية، وبحلول عام 2025، قد تنفد المياه في البلاد.
وفي العراق واجه المزارعون أزمات كبيرة في توفير مياه الري مما تسبب في انخفاض محاصيل القمح والخضروات والفاكهة للعام الثاني على التوالي بسبب ظروف الجفاف القاسية، ووفق الأرقام التي ذكرتها تقارير المنظمات الدولية فإن 90 % من المزارعين في 5 محافظات عراقية فشلوا في حصد محصول القمح هذا الموسم نتيجة نقص المياه، بينما 25 % لم يحققوا أي أرباح من محصولهم من القمح لتأثر جودته بسبب قلة مياه الري.
الإهمال سبب الكارثة وتوصيات تجاوزها
أكد يوهان روكستروم مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ والرئيس المشارك للجنة العالمية لاقتصاديات المياه، أن إهمال العالم لموارد المياه هو سبب الكارثة، حيث تمت إساءة استخدام المياه وتلويثها بالإضافة إلى الممارسات التي تسببت في تغير المناخ الذي أثر بدوره على أزمة نقص المياه.
وأوصى “روكستروم” بتطبيق عدد من الخطوات لتخطي الكارثة وهي إعادة تشكيل الحوكمة العالمية لموارد المياه، وتوسيع نطاق الاستثمار في إدارة المياه من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتسعير المياه بشكل صحيح، وإنشاء “شراكات المياه العادلة” لجمع التمويل لمشاريع المياه في الدول النامية وذات الدخل المتوسط.
كما شملت التوصيات أيضًا معالجة تسرب المياه بشكل عاجل، وأن تكون استعادة أنظمة المياه العذبة أولوية.
يذكر أن الأمم المتحدة ستعقد قمة بقيادة حكومتي هولندا وطاجيكستان، في نيويورك غدًا 22 مارس، لمناقشة أزمات المياه، والتي ستكون الأولى من نوعها منذ أكثر من أربعة عقود بعد تعثر المحاولات السابقة لعقد نفس القمة بسبب تردد بعض الحكومات بقبول أي شكل من أشكال الإدارة الدولية لموارد المياه.
حقيقة تعامد القمر على الكعبة للمرة الثانية هذا العام